الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : وأما ما يهيج من الحياء عند ذكر دوام النعم ، وكثرة الإحسان ، وتضييع الشكر ، وذلك موجود في الفطر أن من دام إحسانه إليك ، وكثرت أياديه عندك ، وقلت مكافأتك له ، غضضت طرفك إذا رأيته حياء منه ، فكيف بمن خلقك ، ولم تك شيئا ، ولم يزل محسنا إليك منذ خلقك ، يتبغض إليه العبد ، ويتهتك فيما بينه وبينه ، وهو يستر عليه ، حتى كأنه لا ذنب له ، لم يتهاون بنظره ، وإن تغير العبد ، أو لم يتغير ، فنعم الله تعالى عليه دائمة ، وإحسانه إليه متواصل ، وذلك كله مع تضييع الشكر ، بل ما رضي بالتقصير عن الشكر ، حتى نال معاصي ربه بنعمه ، واستعان على مخالفته بأياديه ، فإذا ذكر المستحي دوام النعم ، وتضييع الشكر ، وكثرة الإساءة مع فقره إلى الله تعالى ، وإحسان [ ص: 845 ] الله تعالى إليه ، هاج منه الحياء ، والحصر من ربه عز وجل حتى كاد أن يذوب حياء منه ، فإذا هاج ذلك منه ، استعظم كل نعمة ، وإن صغرت ، إذ عرف تضييعه للشكر ، فيستكثر ويستعظم أقل النعم له ، إذ علم أنه أهل أن يزال عنه النعم ، فكيف بأن يدام عليه ، ويزداد فيها ، لأن من أسأت إليه ، فعلمت أنك قد استأهلت منه الغضب ، فألطفك لكلمة استكثرتها ، لعلمك بما قد استوجبت منه من الغضب ، والعقوبة ، فإن سأل الله تعالى دوام النعم ، والزيادة فيها ، سأله بحياء وانكسار قلب ، لولا معرفته بجوده ، وكرمه ، وتفضله ما سأله ، فيكاد أن ينقطع عن الدعاء ، حياء من الله تعالى ، ثم يذكر تفضله ، وجوده ، وكرمه ، فيدعوه بقلب منكسر من الحياء ، خوفا أن لا يجاب .

ويبعثه ذلك على الشكر لما لزم قلبه الحياء من تضييع الشكر ، فإذا لزمت هذه الذكور قلبه ، وأهجن الحياء منه ، فاستعملهن كما وصفت لك ، فقد استحيى من الله تعالى بحقيقة الحياء ، وإن كان لا غاية لحقيقة الحياء ، إذ المستحيى منه لا غاية لعظمته عند المستحيي منه ، ألا [ ص: 846 ] ترى إلى :

التالي السابق


الخدمات العلمية