الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
590 - حدثنا محمد بن عبدة ، ثنا أبو وهب محمد بن مزاحم ، ثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان : ( يمنون عليك أن أسلموا ) ، إنهم أعراب بني أسد بن خزيمة ، قالوا : يا رسول الله ، أتيناك بغير قتال ، وتركنا العشائر ، والأموال ، وكل قبيلة من الأعراب قاتلتك حتى دخلوا في الإسلام كرها ، فلنا عليك حق ، فأنزل الله : [ ص: 533 ] ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ) ، فله لذلك المن عليكم ( إن كنتم صادقين ) ، وفيهم أنزلت : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) .

ويقال في الكبائر التي حتمت بنار : كل موجبة من ركبها ، ومات عليها لم يتب منها " .

* قال أبو عبد الله : وقال الله عز وجل : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) الآية .

وقال : ( إن الدين عند الله الإسلام ) ، فسمى إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة دينا قيما ، وسمى الدين إسلاما ، فمن لم يؤد الزكاة ، فقد ترك من الدين القيم الذي أخبر الله أنه عنده الدين ، وهو الإسلام بعضا .

وقد جامعتنا هذه الطائفة التي فرقت بين الإيمان والإسلام على أن الإيمان قول وعمل ، وأن الصلاة ، والزكاة من الإيمان ، وقد سماهما الله دينا ، وأخبر أن الدين عند الله الإسلام ، فقد سمى الله الإسلام بما سمى به الإيمان ، وسمى الإيمان بما سمى به الإسلام ، وبمثل ذلك جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن زعم أن الإسلام هو الإقرار ، وأن العمل ليس منه ، فقد خالف الكتاب والسنة ، ولا فرق بينه وبين المرجئة ، إذ زعمت أن الإيمان إقرار [ ص: 534 ] بما عمل .

فقد بين الله في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن الإسلام والإيمان لا يفترقان ، فمن صدق الله ، فقد آمن به ، ومن آمن بالله فقد خضع لله ، وقد أسلم لله ، ومن صام ، وصلى ، وقام بفرائض الله ، وانتهى عما نهى الله عنه ، فقد استكمل الإيمان والإسلام المفترض عليه ، ومن ترك من ذلك شيئا ، فلن يزول عنه اسم الإيمان ، ولا [ ص: 535 ] الإسلام إلا أنه أنقص من غيره في الإسلام والإيمان من غير نقصان من الإقرار بأن الله وما قال حق لا باطل ، وصدق لا كذب ، ولكن ينقص من الإيمان الذي هو تعظيم للقدر خضوع للهيبة ، والجلال ، والطاعة للمصدق به ، وهو الله عز وجل ، فمن ذلك يكون النقصان ، لا من إقرارهم بأن الله حق ، وما قاله صدق .

قالوا : ومما يدلك على تحقيق قولنا أن من فرق بين الإيمان والإسلام قد جامعنا أن من أتى الكبائر التي استوجب النار بركوبها لن يزول عنه اسم الإسلام ، وشر من الكبائر ، وأعظمهم ركوبا لها من أدخله الله النار ، فهم يروون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويثبتونه أن الله يقول : " أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان ، ومثقال برة ، ومثقال شعيرة " ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى أن في قلوبهم إيمانا ، أخرجوا بها من النار ، وهم أشر أهل التوحيد الذين لا يزول في قولنا ، وفي قول من خالفنا عنهم اسم الإسلام ، ولا جائز أن يكون من في قلبه إيمان يستوجب به الخروج من الإيمان ، ودخول الجنة ، ليس بمؤمن بالله ، إذ لا جائز أن يفعل الإيمان الذي يثاب عليه بقلبه من ليس بمؤمن ، كما لا جائز أن يفعل الكفر بقلبه من ليس بكافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية