الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : وقال الله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) ، فأوجب بينهم القصاص باسم الإيمان ، والقصاص لا يجب إلا على من [ ص: 548 ] قتل متعمدا ، ثم قال : ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) ، فجعل القاتل أخا المقتول في الإيمان ، فدل على أنهما جميعا مؤمنان في الاسم ، والحكم .

604 - حدثنا حميد بن مسعدة ، ثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة :

1 - قوله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) ، قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي ، وطاعة للشيطان ، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدة ، ومنعة ، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم ، قالوا : لا نقتل به إلا حرا تعززا بفضلهم على غيرهم في أنفسهم ، فإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين ، قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا ، فأنزل الله هذه الآية : ( الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) ، ونهاهم عن البغي .

ثم أنزل الله في سورة المائدة بعد ذلك : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) " .

2 - قوله : ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) . [ ص: 549 ]

يقول : من قتل عمدا فعفي عنه ، وقبلت منه الدية ، يقول : ( فاتباع بالمعروف ) ، فأمر المتبع أن يتبع بمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان ، والعمد قود اليد قصاص ، لا عقل فيه إلا أن يرضوا بذلك " .

3 - قوله : ( تخفيف من ربكم ورحمة ) ، وإنما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، أطعمهم الدية ، وأحلها لهم ، ولم تحل لأحد قبلهم ، فكان في التوراة إنما هو قصاص ، أو عفو ، ليس بينهما أرش ، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به ، وجعل الله لهذه الأمة العفو ، أو القود ، أو الدية إن شاؤوا ، وأحلها لهم ، ولم تكن لأمة قبلهم " .

4 - " ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) يقول : من اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل ( فله عذاب أليم ) " .

5 - قوله : " ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ) جعل الله هذا القصاص حياة ، ونكالا ، وعظة لأهل السفه ، والجهل ، كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها ، ولكن الله تبارك وتعالى حجز بالقصاص بعضهم عن بعض ، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا ، والآخرة ، ولا نهى الله عز وجل عن أمر إلا وهو أمر فساد في الدنيا ، وفي الدين ، والله أعلم بالذي [ ص: 550 ] يصلح خلقه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية