الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( سلم ‏ ) ‏ * في أسماء الله تعالى " السلام " قيل معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء . والسلام في الأصل السلامة‏ . ‏ يقال سلم يسلم سلامة وسلاما‏ . ‏ ومنه قيل للجنة دار السلام ، لأنها دار السلامة من الآفات .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ ومنه الحديث " ثلاثة كلهم ضامن على الله ، أحدهم من يدخل بيته بسلام " أراد أن يلزم بيته طلبا للسلامة من الفتن ورغبة في العزلة‏ . ‏ وقيل أراد أنه إذا دخل بيته سلم‏ . ‏ والأول أوجه .

                                                          [ ص: 393 ] ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث التسليم " قل السلام عليك ، فإن عليك السلام تحية الموتى " هذا إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي ، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله :

                                                          عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق

                                                          وكقول الآخر‏ : ‏

                                                          عليك سلام الله قيس بن عاصم     ورحمته ما شاء أن يترحما

                                                          * وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب ، وأن يقال له عليك السلام ، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب‏ . ‏ وقيل‏ : ‏ أراد بالموتى كفار الجاهلية .

                                                          * وهذا في الدعاء بالخير والمدح ، فأما في الشر والذم فيقدم الضمير كقوله تعالى وإن عليك لعنتي وقوله‏ : ‏ عليهم دائرة السوء ‏ * والسنة لا تختلف في تحية الأموات والأحياء‏ . ‏ ويشهد له الحديث الصحيح أنه كان إذا دخل القبور قال : ‏ ; سلام عليكم دار قوم مؤمنين " .

                                                          * والتسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص . ‏ وقيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا‏ . ‏ وقيل معناه اسم السلام عليك‏ : ‏ أي اسم الله عليك ، إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه‏ . ‏ وقيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك ، من السلامة بمعنى السلام .

                                                          * ويقال السلام عليكم ، وسلام عليكم ، وسلام ، بحذف عليكم ، ولم يرد في القرآن غالبا إلا منكرا كقوله تعالى سلام عليكم بما صبرتم فأما في تشهد الصلاة فيقال فيه معرفا ومنكرا ، والظاهر الأكثر من مذهب الشافعي رحمه الله أنه اختار التنكير ، وأما في السلام الذي يخرج به من الصلاة فروى الربيع عنه أنه لا يكفيه إلا معرفا ، فإنه قال‏ : ‏ أقل ما يكفيه أن يقول السلام عليكم ، فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم‏ . ‏ ووجهه أن يكون أراد بالسلام اسم الله تعالى ، فلم يجز حذف الألف واللام منه ، وكانوا يستحسنون أن يقولوا في الأول سلام عليكم ، وفي الآخر السلام عليكم ، وتكون الألف واللام للعهد . ‏ يعني السلام الأول .

                                                          [ ص: 394 ] ‏ * وفي حديث عمران بن حصين " كان يسلم علي حتى اكتويت " يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه ، فلما اكتوى بسبب مرضه تركوا السلام عليه ; لأن الكي يقدح في التوكل والتسليم إلى الله والصبر على ما يبتلى به العبد وطلب الشفاء من عنده ، وليس ذلك قادحا في جواز الكي ولكنه قادح في التوكل ، وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسباب‏ .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث الحديبية " أنه أخذ ثمانين من أهل مكة سلما " يروى بكسر السين وفتحها ، وهما لغتان في الصلح ، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي في غريبه‏ . ‏ وقال الخطابي‏ : ‏ أنه السلم بفتح السين واللام ، يريد الاستسلام والإذعان ، كقوله تعالى وألقوا إليكم السلم أي الانقياد ، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجميع‏ . ‏ وهذا هو الأشبه بالقضية ; فإنهم لم يؤخذوا عن صلح ، وإنما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا ، وللأول وجه ، وذلك أنهم لم تجر معهم حرب ، وإنما لما عجزوا عن دفعهم أو النجاة منهم رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا ، فكأنهم قد صولحوا على ذلك فسمي الانقياد صلحا وهو السلم‏ .

                                                          * ومنه كتابه بين قريش والأنصار " وإن سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن " أي لا يصالح واحد دون أصحابه ، وإنما يقع الصلح بينهم وبين عدوهم باجتماع ملئهم على ذلك‏ .

                                                          ( هـ ) ‏ ومن الأول حديث أبي قتادة " لآتينك برجل سلم " أي أسير لأنه استسلم وانقاد .

                                                          * وفيه " أسلم سالمها الله " هو من المسالمة وترك الحرب . ‏ ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا‏ : ‏ إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها ، أو أخبر أن الله قد سالمها ومنع من حربها .

                                                          * وفيه المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه يقال‏ : ‏ أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه ، وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء ، لكن دخله التخصيص ، وغلب عليه الإلقاء في الهلكة .

                                                          * ومنه الحديث " إني وهبت لخالتي غلاما ، فقلت لها لا تسلميه حجاما ولا صائغا ولا قصابا " أي لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع ، إنما كره الحجام والقصاب لأجل النجاسة التي يباشرانها مع تعذر الاحتراز ، وأما الصائغ فلما يدخل صنعته من الغش ، ولأنه يصوغ الذهب [ ص: 395 ] والفضة ، وربما كان من آنية أو حلي للرجال وهو حرام ، ولكثرة الوعد والكذب في إنجاز ما يستعمل عنده .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه ما من آدمي إلا ومعه شيطان ، قيل : ومعك ؟ قال : نعم ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم وفي رواية حتى أسلم أي انقاد وكف عن وسوستي‏ . ‏ وقيل دخل في الإسلام فسلمت من شره‏ . ‏ وقيل إنما هو فأسلم بضم الميم ، على أنه فعل مستقبل : أي أسلم أنا منه ومن شره . ‏ ويشهد للأول‏ : ‏ ( ‏س‏ ) ‏ الحديث الآخر " كان شيطان آدم كافرا وشيطاني مسلما " * وفي حديث ابن مسعود " أنا أول من أسلم " يعني من قومه ، كقوله تعالى عن موسى عليه السلام وأنا أول المؤمنين يعني مؤمني زمانه ، فإن ابن مسعود لم يكن أول من أسلم ، وإن كان من السابقين الأولين‏ .

                                                          ( هـ ) ‏ وفيه " كان يقول إذا دخل شهر رمضان : اللهم سلمني من رمضان وسلم رمضان لي وسلمه مني " قوله سلمني منه أي لا يصيبني فيه ما يحول بيني وبين صومه من مرض أو غيره‏ . ‏ وقوله سلمه لي‏ : ‏ هو أن لا يغم عليه الهلال في أوله أو آخره فيلتبس عليه الصوم والفطر . ‏ وقوله وسلمه مني‏ : ‏ أي يعصمه من المعاصي فيه .

                                                          * وفي حديث الإفك " وكان علي مسلما في شأنها " أي سالما لم يبد بشيء من أمرها‏ . ‏ ويروى بكسر اللام : ‏ أي مسلما للأمر ، والفتح أشبه‏ : ‏ أي أنه لم يقل فيها سوءا .

                                                          ‏ ( ‏ هـ س‏ ) ‏ وفي حديث الطواف " أنه أتى الحجر فاستلمه " هو افتعل من السلام : ‏ التحية . ‏ وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا‏ : ‏ أي أن الناس يحيونه بالسلام‏ . ‏ وقيل هو افتعل من السلام وهي الحجارة ، واحدتها سلمة بكسر اللام . يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله‏ .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث جرير " بين سلم وأراك " السلم شجر من العضاه واحدتها سلمة بفتح اللام ، وورقها القرظ الذي يدبغ به‏ . ‏ وبها سمي الرجل سلمة ، وتجمع على سلمات .

                                                          * ومنه حديث ابن عمر " أنه كان يصلي عند سلمات في طريق مكة " ‏ . ‏ ويجوز أن يكون بكسر اللام جمع سلمة وهي الحجر .

                                                          [ ص: 396 ] ‏ ( هـ ) ‏ وفيه على كل سلامى من أحدكم صدقة السلامى‏ : ‏ جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع‏ . ‏ وقيل واحده وجمعه سواء . ‏ ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان‏ . ‏ وقيل السلامى‏ : ‏ كل عظم مجوف من صغار العظام‏ : ‏ المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة . ‏ وقيل‏ : ‏ إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف السلامى والعين‏ . ‏ قال أبو عبيد‏ : ‏ هو عظم يكون في فرسن البعير .

                                                          ( هـ ) ‏ ومنه حديث خزيمة في ذكر السنة " حتى آل السلامى " أي رجع إليه المخ .

                                                          * وفيه " من تسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره " يقال أسلم وسلم إذا أسلف‏ . ‏ والاسم السلم ، وهو أن تعطي ذهبا أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم ، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه‏ . ‏ ومعنى الحديث أن يسلف مثلا في بر فيعطيه المستسلف غيره من جنس آخر ، فلا يجوز له أن يأخذه . ‏ قال القتيبي‏ : ‏ لم أسمع تفعل من السلم إذا دفع إلا في هذا .

                                                          * ومنه حديث ابن عمر " كان يكره أن يقال : السلم بمعنى السلف ، ويقول الإسلام لله عز وجل " كأنه ضن بالاسم الذي هو موضوع للطاعة والانقياد لله عن أن يسمى به غيره ، وأن يستعمله في غير طاعة الله ، ويذهب به إلى معنى السلف‏ . ‏ وهذا من الإخلاص باب لطيف المسلك . ‏ وقد تكرر ذكر السلم في الحديث .

                                                          ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه " أنهم مروا بماء فيه سليم ، فقالوا : هل فيكم من راق " السليم اللديغ . ‏ يقال سلمته الحية أي لدغته‏ . ‏ وقيل إنما سمي سليما تفاؤلا بالسلامة ، كما قيل للفلاة المهلكة مفازة .

                                                          * وفي حديث خيبر ذكر " السلالم " هي بضم السين ، وقيل بفتحها‏ : ‏ حصن من حصون خيبر‏ . ‏ ويقال فيه أيضا السلاليم‏ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية