الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( سنن ) ‏ * قد تكرر في الحديث ذكر " السنة " وما تصرف منها‏ . ‏ والأصل فيها الطريقة والسيرة . ‏ وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا ، مما لم ينطق به الكتاب العزيز‏ . ‏ ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة ، أي القرآن والحديث .

                                                          [ ص: 410 ] ( س ) ومنه الحديث " إنما أنسى لأسن ) أي إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم ، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان‏ . ‏ ويجوز أن يكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها‏ .

                                                          * ومنه حديث " أنه نزل المحصب ولم يسنه " أي لم يجعله سنة يعمل بها‏ . ‏ وقد يفعل الشيء لسبب خاص فلا يعم غيره‏ . ‏ وقد يفعل لمعنى فيزول ذلك المعنى ويبقى الفعل على حاله متبعا ، كقصر الصلاة في السفر للخوف ، ثم استمر القصر مع عدم الخوف‏ .

                                                          ( س ) ومنه حديث ابن عباس " رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بسنة " أي أنه لم يسن فعله لكافة الأمة ، ولكن لسبب خاص ، وهو أن يري المشركين قوة أصحابه ، وهذا مذهب ابن عباس ، وغيره يرى أن الرمل في طواف القدوم سنة‏ .

                                                          * وفي حديث محلم بن جثامة " اسنن اليوم وغير غدا " أي اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص ، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير‏ : ‏ أي تغير ما سننت‏ . ‏ وقيل تغير : ‏ من أخذ الغير ، وهي الدية .

                                                          * وفيه " إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك ، وتبدل سنتك " أراد بتبديل السنة أن يرجع أعرابيا بعد هجرته‏ .

                                                          ( هـ ) وفي حديث المجوس " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " أي خذوهم على طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم‏ .

                                                          ( س ) ومنه الحديث " لا ينقض عهدهم عن سنة ماحل " أي لا ينقض بسعي ساع بالنميمة والإفساد ، كما يقال‏ : ‏ لا أفسد ما بيني وبينك بمذاهب الأشرار وطرقهم في الفساد‏ . ‏ والسنة الطريقة ، والسنن أيضا‏ .

                                                          ‏ ( هـ ) ومنه الحديث " ألا رجل يرد عنا من سنن هؤلاء " ‏ .

                                                          ( س ) وفي حديث الخيل " استنت شرفا أو شرفين " استن الفرس يستن استنانا‏ : ‏ أي عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب عليه‏ .

                                                          [ ص: 411 ] ( هـ ) ومنه الحديث " إن فرس المجاهد ليستن في طوله‏ " .

                                                          ( س ) وحديث عمر " رأيت أباه يستن بسيفه كما يستن الجمل " أي يمرح ويخطر به‏ . ‏ وقد تكرر في الحديث‏ .

                                                          ( س ) وفي حديث السواك " أنه كان يستن بعود من أراك " الاستنان‏ : ‏ استعمال السواك ، وهو افتعال من الأسنان‏ : ‏ أي يمره عليها‏ .

                                                          ( س ) ومنه حديث الجمعة " وأن يدهن ويستن " ‏ .

                                                          ( س ) وحديث عائشة في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " فأخذت الجريدة فسننته بها " أي سوكته بها‏ . ‏ وقد تكرر في الحديث‏ .

                                                          ( هـ ) وفيه " أعطوا الركب أسنتها " قال أبو عبيد : ‏ إن كانت اللفظة محفوظة فكأنها جمع الأسنان‏ . ‏ يقال لما تأكله الإبل وترعاه من العشب سن وجمعه أسنان ، ثم أسنة .

                                                          وقال غيره‏‏ : ‏ الأسنة جمع السنان لا جمع الأسنان ، تقول العرب‏ : ‏ الحمض يسن الإبل على الخلة : ‏ أي يقويها كما يقوي السن حد السكين‏ . ‏ فالحمض سنان لها على رعي الخلة . ‏ والسنان الاسم ، وهو القوة .

                                                          واستصوب الأزهري القولين معا‏ . ‏ وقال الفراء ‏ : ‏ السن الأكل الشديد‏ .

                                                          وقال الأزهري‏ : ‏ أصابت الإبل سنا من الرعي إذا مشقت منه مشقا صالحا‏ . ‏ ويجمع السن بهذا المعنى أسنانا [ ثم تجمع الأسنان أسنة ‏ ] ‏ ‏ . ‏ مثل كن وأكنان وأكنة وقال الزمخشري‏ : ‏ " المعنى أعطوها ما تمتنع به من النحر ; لأن صاحبها إذا أحسن رعيها سمنت وحسنت في عينه فيبخل بها من أن تنحر ، فشبه ذلك بالأسنة في وقوع الامتناع بها " ‏ .

                                                          [ ص: 412 ] هذا على أن المراد بالأسنة جمع سنان ، وإن أريد بها جمع سن فالمعنى أمكنوها من الرعي‏ .

                                                          ( س ) ومنه الحديث " أعطوا السن حظها من السن " أي أعطوا ذوات السن وهي الدواب حظها من السن وهو الرعي‏ .

                                                          ‏ ( هـ ) ومنه حديث جابر " فأمكنوا الركاب أسنانا " أي ترعى أسنانا‏ .

                                                          * وفي حديث الزكاة " أمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ومن كل أربعين مسنة " قال الأزهري‏ : ‏ والبقرة الشاة يقع عليهما اسم المسن إذا أثنيا ، وتثنيان في السنة الثالثة ، وليس معنى إسنانها كبرها كالرجل المسن ، ولكن معناه طلوع سنها في السنة الثالثة .

                                                          ‏ ( هـ ) وفي حديث ابن عمر " ينفى من الضحايا التي لم تسنن " رواه القتيبي بفتح النون الأولى ، قال‏ : ‏ وهي التي لم تنبت أسنانها ، كأنها لم تعط أسنانا ، كما يقال لم يلبن فلان إذا لم يعط لبنا‏ . ‏ قال الأزهري‏ : ‏ وهم في الرواية ، وإنما المحفوظ عن أهل الثبت والضبط بكسر النون ، وهو الصواب في العربية‏ . ‏ يقال لم تسنن ولم تسن‏ . ‏ وأراد ابن عمر أنه لا يضحى بأضحية لم تثن‏ : ‏ أي لم تصر ثنية ، فإذا أثنت فقد أسنت‏ . ‏ وأدنى الأسنان الإثناء‏ .

                                                          ( س ) وفي حديث عمر " أنه خطب فذكر الربا فقال : إن فيه أبوابا لا تخفى على أحد منها السلم في السن " يعني الرقيق والدواب وغيرهما من الحيوان‏ . ‏ أراد ذوات السن‏ . ‏ وسن الجارحة مؤنثة‏ . ‏ ثم استعيرت للعمر استدلالا بها على طوله وقصره‏ . ‏ وبقيت على التأنيث‏ .

                                                          ( س ) ومنه حديث علي‏ : ‏ * بازل عامين حديث سني * ‏ أي أنا شاب حدث في العمر ، كبير قوي في العقل والعلم‏ .

                                                          ‏ ( هـ ) وحديث عثمان " وجاوزت أسنان أهل بيتي " أي أعمارهم‏ . ‏ يقال فلان سن فلان ، إذا كان مثله في السن‏ .

                                                          [ ص: 413 ] * وفي حديث ابن ذي يزن " لأوطئن أسنان العرب كعبه " يريد ذوي أسنانهم ، وهم الأكابر والأشراف‏ .

                                                          [ هـ ] وفي حديث علي " صدقني سن بكره " هذا مثل يضرب للصادق في خبره ، ويقوله الإنسان على نفسه وإن كان ضارا له . ‏ وأصله أن رجلا ساوم رجلا في بكر ليشتريه ، فسأل صاحبه عن سنه فأخبره بالحق ، فقال المشتري‏ : ‏ صدقني سن بكره‏ .

                                                          * وفي حديث بول الأعرابي في المسجد " فدعا بدلو من ماء فسنه عليه " أي صبه‏ . ‏ والسن الصب في سهولة . ‏ ويروى بالشين‏ . ‏ وسيجيء‏ .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث الخمر " سنها في البطحاء " ‏ .

                                                          ( هـ ) وحديث ابن عمر " كان يسن الماء على وجهه ولا يشنه " أي كان يصبه ولا يفرقه عليه‏ .

                                                          * ومنه حديث عمرو بن العاص عند موته " فسنوا علي التراب سنا " أي ضعوه وضعا سهلا‏ .

                                                          ( س ) وفيه " أنه حض على الصدقة ، فقام رجل قبيح السنة " ‏ : ‏ السنة : ‏ الصورة ، وما أقبل عليك من الوجه‏ . ‏ وقيل سنة الخد‏ : ‏ صفحته‏ .

                                                          ( س ) وفي حديث بروع بنت واشق " وكان زوجها سن في بئر " أي تغير وأنتن ، من قوله تعالى‏ : ‏ من حمإ مسنون أي متغير . ‏ وقيل أراد بسن أسن بوزن سمع ، وهو أن يدور رأسه من ريح كريهة شمها ويغشى عليه‏ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية