الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ومنها أن لا يكون ذا قياس مركب ، وهو أن يستغني بموافقة الخصم في الأصل مع منعه علة الأصل ، أو منعه وجودها في الأصل ، فالأول مركب الأصل ، مثل عبد ، فلا يقتل به الحر كالمكاتب .

            فيقول الحنفي : العلة جهالة المستحق من السيد والورثة .

            فإن صحت ، بطل الإلحاق . وإن بطلت ، منع حكم الأصل . فما ينفك عن عدم العلة في الفرع أو منع الأصل .

            الثاني مركب الوصف ، مثل : تعليق الطلاق ، فلا [ ص: 21 ] يصح قبل النكاح ، كما لو قال : زينب التي أتزوجها طالق .

            فيقول الحنفي : العلة عندي مفقودة ، فإن صح في الأصل ، بطل الإلحاق ، وإلا منع حكم الأصل . فما ينفك عن عدم العلة في الأصل ، أو منع الأصل .

            فلو سلم أنها العلة وأنها موجودة ، أو أثبت أنها موجودة ، انتهض الدليل عليه لاعترافه ، كما لو كان مجتهدا .

            وكذلك لو أثبت الأصل بنص ، ثم أثبت العلة بطريقها على الأصح ; لأنه لو لم يقبل ، لم يقبل مقدمة تقبل المنع .

            التالي السابق


            ش - الشرط السادس : أن لا يكون حكم الأصل ذا قياس مركب .

            والقياس المركب أن يستغني المستدل عن إثبات الحكم في الأصل ، بدليل موافقة الخصم إياه في حكم الأصل مع منع الخصم علية ما جعل المستدل علة للحكم ، بل العلة عند الخصم غير ما جعل المستدل علة .

            أو مع منع الخصم وجود العلة في الأصل .

            [ ص: 22 ] والأول - وهو أن يمنع الخصم علية الأصل - يسمى مركب الأصل ; لأن الأصل ، أي ما جعل جامعا وصفان يصلح كل منهما أن يكون علة ، مثل قول الشافعي فيما إذا قتل الحر عبدا : المقتول عبد ، فلا يقتل الحر به ، كالمكاتب . والجامع كونهما رقيقين .

            فإن الشافعي يستغني عن إثبات عدم وجوب القصاص على الحر في صورة المكاتب بدليل ; لأن أبا حنيفة يوافقه فيه ، لكن يمنع ما جعل الشافعي علة لعدم وجوب القصاص ; لأن علة عدم وجوب القصاص في صورة المكاتب عند الحنفي جهالة المستحق من السيد والورثة ; لأنه لم يعلم أن مستحق القصاص السيد أو الورثة ، فيقول الحنفي : العلة عندي جهالة المستحق من السيد أو الورثة في صورة المكاتب ، فإن صحت علية جهالة المستحق من السيد أو الورثة ، بطل إلحاق الفرع به بالقياس ; إذ العلة غير موجودة في الفرع .

            وإن بطلت علية الجهالة ، منع حكم الأصل ; لأن حكم الأصل لم يثبت بنص أو إجماع ، بل ثبت بناء على علية الجهالة ، فإذا بطل الموجب للحكم ، لم يثبت الحكم ، وحينئذ يبطل القياس . فما ينفك القياس عن عدم العلة في الفرع ، أو منع حكم الأصل .

            الثاني : وهو أن يمنع الخصم وجود العلة في الأصل ، فيسمى مركب الوصف ، [ ص: 23 ] مثل قول الشافعي في تعليق الطلاق بالنكاح ، مثل : إن تزوجت زينب ، فهي طالق . هذا تعليق الطلاق ، فلا يصح قبل النكاح ، أي لا يقع الطلاق به قياسا على ما لو قال : زينب التي أتزوجها طالق . فإنه لا يقع الطلاق عند أبي حنيفة أيضا ، لكن بمنع وجود العلة الموجبة للوقوع في الأصل .

            فنقول : العلة الموجبة للوقوع هو التعليق ، وهو مفقود في الأصل عندي ، فإن صح فقدان العلة في الأصل ، بطل إلحاق الفرع به ; لعدم وجود العلة في الأصل ، وإلا - أي وإن لم يصح فقدان العلة في الأصل - منع حكم الأصل ، فإنه حينئذ يكون الطلاق واقعا في الأصل ; لوجود علة الوقوع فيه . فما ينفك هذا القياس عن عدم العلة في الأصل ، أو منع حكم الأصل .

            ثم الخصم إن كان مقلدا ، وسلم علية ما جعل المستدل علة في الأول ، أي مركب الأصل ، وسلم وجود العلة في الأصل الثاني ، أي مركب الوصف ، أو أثبت المستدل أن العلة موجودة في الأصل ، انتهض دليل المستدل على الخصم ، أي يتم دليله ; لاعتراف الخصم بعلية وصف المستدل في الأول ، وبوجود العلة في أصل الثاني ، كما لو كان الخصم مجتهدا .

            وكذلك لو أثبت المستدل حكم الأصل بنص ، ثم أثبت العلة بما هو طريق إثباتها ، ينتهض دليله على الخصم إن كان مجتهدا على الأصح ; لأنه لو لم يقبل الخصم الدليل - بعد إثبات حكم الأصل [ ص: 24 ] بنص وإثبات العلة بطريقها - لزم أن لا يقبل الخصم مقدمة تقبل المنع .

            وإن أثبتها المستدل بالدليل بعد منع الخصم إياها ، فيلزم أن لا يقبل إلا البديهيات .

            وإنما قيدنا الخصم بكونه مجتهدا ; لأن ذلك لا يجري بالنسبة إلى المقلد ; لجواز أن يكون اعتقاده أن إمامه يدفع ما تمسك به المستدل .




            الخدمات العلمية