الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 87 ] مسالك العلة

            ص - مسالك العلة ، الإجماع ، النص .

            الأول : الإجماع .

            الثاني : النص ، وهو مراتب :

            صريح ، مثل : لعلة كذا ، أو لسبب ، أو لأجل ، أو من أجل ، أو كي ، أو إذا .

            ومثل : لكذا ، أو إن كان كذا ، أو بكذا .

            أو مثل : فإنهم يحشرون ، فاقطعوا أيديهما .

            ومثل قول الراوي : سها فسجد ، وزنى ماعز فرجم ، سواء الفقيه وغيره ; لأن الظاهر أنه لو لم يفهمه لم يقله .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من أركان القياس وشرائطها ، شرع في مسالك العلة ، وهي الطرق الدالة على كون الوصف المعين علة للحكم .

            المسلك الأول : الإجماع ، فإن الأمة إذا أجمعوا على كون [ ص: 88 ] الوصف المعين علة للحكم - سواء كان الإجماع قطعيا أو ظنيا - يثبت علية الوصف ، كإجماعهم على كون الصغر علة لثبوت الولاية على الصغيرة في قياس ولاية النكاح على ولاية المال .

            المسلك الثاني : النص ، وهو أن يذكر من الكتاب أو السنة ما يدل على علية الوصف ، وهو على مراتب :

            المرتبة الأولى : الصريح ، وهو ما يدل بالوضع على العلية ، وهو إما أن لا يحتمل غير العلية ، أو يحتمل غيرها احتمالا مرجوحا .

            والأولى : وهو ما لا يحتمل غير العلية ، أن يذكر العلة بلفظ لا يقصد به غير العلية ، مثل : " لعلة كذا " ، " أو لسبب كذا " ، " أو لأجل كذا " ، مثل قوله - عليه السلام : " إنما جعل الاستئذان لأجل البصر " .

            [ ص: 89 ] أو " من أجل كذا " ، كقوله - تعالى : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل .

            أو " كي " ، كقوله - تعالى : كي لا يكون دولة بين الأغنياء . والدولة في المال ، يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه مرة لهذا ، ومرة لهذا .

            أو " إذا " ، كقوله - تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) ، أي ضعف العذاب حيا وميتا في الدنيا والآخرة .

            والثاني : وهو ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا ، إما أن يذكر العلة بحرف من حروف التعليل ، قد يقصد به غير العلية ، مثل : " لكذا " ، كقوله - تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

            أو " أن " ، كقوله - تعالى : عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين .

            [ ص: 90 ] والعتل : الغليظ الجافي .

            الزنيم : المستلحق بقوم ليس منهم ، ولا يحتاج إليه .

            وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه .

            أو " بكذا " ، كقوله - تعالى : جزاء بما كانوا يعملون ، فهذه الثلاثة ظاهرة في العلية ، وقد يقصد بها غير العلية .

            أما اللام ، فكقوله - تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم ، فإنه لا يجوز أن يكون ذات جهنم غرضا بالاتفاق .

            وكقول الشاعر :

            لدوا للموت وابنوا للخراب

            .

            فإن اللام هاهنا ليست للغرض .

            وأما " أن " فكقول القائل : أردت أن أضرب زيدا للتأديب ، فإن " أن " هاهنا لا يكون للغرض .

            وأما الباء ; فلأنه قد يكون للتعدية ، كقوله - تعالى : ذهب الله بنورهم .

            [ ص: 91 ] وإما أن تذكر العلية بتعليق الحكم على الوصف بالفاء ، وذلك على وجهين :

            الأول : أن يدخل الفاء على العلة ، ويكون الحكم متقدما ، كقوله - عليه السلام - في قتلى أحد : " زملوهم بكلومهم ودمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك .

            والكلوم : جمع الكلم ، وهو الجراحة .

            والودج : عرق في العنق ، والجمع أوداج .

            وقوله : " تشخب " ، أي تتفجر .

            الثاني : أن تدخل الفاء في الحكم ، وتكون العلة متقدمة ، وذلك أيضا على وجهين :

            الأول : أن تدخل الفاء على كلام الشارع ، كقوله - تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .

            [ ص: 92 ] والثاني : أن تدخل على رواية الراوي ، كقول الراوي : " سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد " . و " زنى ماعز فرجم " .

            ولا فرق بين أن يكون الراوي فقيها أو غيره ; لأن الظاهر من حال الراوي العدل أنه لو لم يفهم كون الوصف علة ، لم يقله .




            الخدمات العلمية