الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الأول : تلازم بين ثبوتين ، أو نفيين ، أو ثبوت ونفي ، أو نفي وثبوت .

            والمتلازمان إن كانا طردا وعكسا ، كالجسم والتأليف ، جرى فيهما الأولان طردا وعكسا .

            وإن كانا طردا لا عكسا كالجسم والحدوث ، جرى فيهما الأول طردا ، والثاني عكسا .

            والمتنافيان إن كانا طردا وعكسا ، كالحدوث ووجوب البقاء ، جرى فيهما الأخيران طردا وعكسا .

            فإن تنافيا إثباتا ، كالتأليف والقدم ، جرى فيهما الثالث طردا وعكسا ، فإن تنافيا نفيا ، كالأساس والخلل ، جرى فيهما الرابع طردا وعكسا .

            الأول في الأحكام - من صح طلاقه - صح ظهاره ويثبت بالطرد ، ويقوى بالعكس .

            [ ص: 254 ] ويقرر بثبوت أحد الأثرين ، فيلزم الآخر ، للزوم المؤثر ، وبثبوت المؤثر .

            ولا يعين المؤثر فيكون انتقالا إلى قياس علة .

            الثاني : لو صح الوضوء بغير نية ، لصح التيمم ، ويثبت بالطرد ، كما تقدم .

            ويقرر بانتفاء أحد الأثرين ، فينتفي الآخر للزوم انتفاء المؤثر بانتفاء الأثر .

            الثالث : ما كان مباحا ، لا يكون حراما .

            الرابع : ما لا يكون جائزا يكون حراما .

            ويقرران بثبوت التنافي بينهما أو بين لوازمهما .

            التالي السابق


            ش - الأول من أقسام الاستدلال ، وهو على أربعة أقسام ; لأن المتلازمين إما أن يكونا ثبوتين أو نفيين ، أو الأول ثبوت والآخر نفي ، أو الأول نفي والآخر ثبوت .

            والمتلازمان إن كانا طردا وعكسا ، أي إن كان التلازم بينهما من الجانبين ، كالجسم والتأليف ، فإن وجود كل منهما يستلزم وجود الآخر ، جرى فيهما - أي في المتلازمين - الأولان ، أي التلازم بين ثبوتين - والتلازم بين نفيين طردا وعكسا ، أي يلزم من وجود كل واحد [ ص: 255 ] من الجسم التأليف ، وجود الآخر ، ويلزم من نفي كل واحد منهما نفي الآخر .

            وإن كان المتلازمان طردا فقط ، أي لزم من وجود الأول وجود الثاني ، من غير عكس ، كالجسم والحدوث ، فإن وجود الجسم يستلزم الحدوث من غير عكس ، جرى فيهما التلازم بين ثبوتين طردا فقط ; أي يلزم من وجود الجسم وجود الحدوث من غير عكس ، والتلازم بين نفيين عكسا فقط ، أي يلزم من نفي الحدوث نفي الجسم ، من غير عكس .

            وأما المتنافيان طردا وعكسا ، أي اللذان بينهما منافاة وجودا وعدما ، وهي المنفصلة الحقيقية ، كالحدوث ووجوب البقاء ، فإنه بينهما منافاة وجودا وعدما ، فيجري فيهما الأخيران ، أي التلازم بين ثبوت ونفي ، والتلازم بين نفي وثبوت طردا وعكسا ، أي يلزم من ثبوت كل منهما نفي الآخر ، ومن نفي كل منهما ثبوت الآخر .

            وإن كان المتنافيان تنافيا إثباتا فقط ، أي يكون بينهما منع الجمع ، كالتأليف والقدم ، فإنه بينهما منافاة وجودا ، لا عدما ، جرى فيهما الثالث ، أي التلازم بين ثبوت ونفي طردا وعكسا ، أي ثبوت كل من التأليف والقدم يلزمه نفي الآخر .

            وإن كان المتنافيان تنافيا نفيا فقط ، أي يكون بينهما منع [ ص: 256 ] الخلو ، كالأساس والخلل ، فإنه بينهما منافاة عدما لا وجودا ، جرى فيهما الرابع ، أي التلازم بين نفي وثبوت طردا وعكسا ، أي يلزم من نفي كل منهما ثبوت الآخر .

            ثم ذكر المصنف أمثلة الأقسام الأربعة من التلازم في الأحكام .

            مثال الأول : أي التلازم بين ثبوتين : من صح طلاقه ، صح ظهاره . وتثبت الملازمة بينهما بالطرد ، أي بأن يستلزم صحة الطلاق صحة الظهار ، ويقوى التلازم بينهما بالعكس ، فإن العكس وإن لم يكن دليلا على سبيل الاستقلال ، لكن يكون مقويا للدليل ، ويقرر التلازم بأن الصحتين أثران لمؤثر واحد ، فيلزم من ثبوت أحد الأثرين ثبوت الآخر ; لأن ثبوت المؤثر لازم لثبوت أحدهما ، وثبوت الآخر لازم من ثبوت مؤثره .

            ويقرر أيضا بثبوت المؤثر بأن يقال : المؤثر في صحة الطلاق ثابت ، فيثبت صحة الظهار ; لأنهما أثراه . ولا يعين المؤثر ، وإلا يكون انتقالا من الاستدلال إلى قياس العلة ، وهو ليس باستدلال بالاتفاق .

            ومثال الثاني ، أي التلازم بين نفيين : لو صح الوضوء بغير نية ، لصح التيمم .

            [ ص: 257 ] ويثبت هذا التلازم بالطرد ، ويتقوى بالعكس ، كما تقدم .

            ويقرر أيضا بانتفاء أحد الأثرين فينتفي الآخر للزوم انتفاء المؤثر ، فإنه يلزم من انتفاء أحد الأثرين انتفاء المؤثر ، ويلزم من انتفاء المؤثر انتفاء الأثر الآخر .

            مثال الثالث ، أي التلازم بين ثبوت ونفي : ما يكون مباحا لا يكون حراما .

            مثال الرابع ، أي التلازم بين نفي وثبوت : ما لا يكون جائزا يكون حراما .

            ويقرر الثالث والرابع بثبوت التنافي بين الحرام والمباح ، أو بثبوت التنافي بين لوازمهما ، فإن التنافي بين اللوازم يستلزم التنافي بين الملزومات .




            الخدمات العلمية