الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو كان واجبا ، لكانت الصحابة أولى ، ولو كان ، لنقل كالفروع .

            وأجيب بأنه كذلك ، وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بالله - تعالى ، وهو باطل .

            وإنما لم ينقل لوضوحه وعدم المحوج إلى الإكثار .

            قالوا : لو كان لألزم الصحابة العوام بذلك .

            [ ص: 355 ] قلنا : نعم ، وليس المراد تحرير الأدلة والجواب عن الشبه . والدليل يحصل بأيسر نظر .

            قالوا : وجوب النظر دوري عقلي ، وقد تقدم .

            قالوا : مظنة الوقوع في الشبه والضلالة ، بخلاف التقليد .

            قلنا : فيحرم على المقلد ، أو يتسلسل .

            التالي السابق


            ش - القائلون بأن النظر ليس بواجب في العقليات ، احتجوا بأربعة وجوه :

            الأول : أن النظر لو كان واجبا ، لكانت الصحابة أولى بالنظر ، ولو كان النظر واجبا عليهم ، لنقل مباحثتهم ومناظرتهم في المسائل الأصولية الاعتقادية ، كما نقل مناظرتهم في الفروع . ولما لم ينقل ، دل على أن النظر غير واجب .

            أجاب بأنه كذلك ، أي كانت الصحابة أولى بالنظر ، وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بالله - تعالى ، وهو باطل قطعا . وإنما لم ينقل مناظرتهم ومباحثتهم ، لا لعدم وجوب النظر عليهم ، بل لوضوح الأمر عندهم في ذلك ، ولعدم المحوج إلى الإكثار في الكلام والمناظرة ، لنقاء سيرتهم وصفاء سريرتهم ومشاهدتهم الوحي والتنزيل ، فإنها أمور تعد النفوس وتدرك الأمور [ ص: 356 ] الإلهية والصفات القدسية المنزهة عن الشوائب الحسية واللواحق المادية .

            الثاني : لو كان النظر واجبا ، لألزم الصحابة العوام بالنظر .

            والتالي باطل ، لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة إلزام العوام بذاك .

            أجاب عنه بأنهم ألزموا العوام بالنظر .

            وليس المراد بالنظر تحرير الأدلة وتلخيصها ، والجواب عن الشبه الواردة على الأدلة ، كما فعله المتكلمون .

            ولا شك في أن الدليل الموجب للمعرفة يحصل بأيسر نظر .

            الثالث : أن النظر لو كان واجبا ، لزم الدور; وذلك لأن وجوب النظر نظري فيتوقف على النظر ، والنظر يتوقف على وجوب النظر ، فيلزم الدور .

            وقد تقدم جواب ذلك في مسألة الحسن والقبح ، وهو أن النظر لا يتوقف على وجوب النظر .

            الرابع : أن النظر مظنة الوقوع في الشبه والضلال ، والوقوع في الشبه والضلالة حرام ، ومظنة الحرام حرام ، فيكون النظر حراما ، بخلاف التقليد ، فإنه لا يكون مظنة للوقوع في الشبه والضلالة .

            [ ص: 357 ] أجاب بأنه إذا كان النظر حراما ، يلزم حرمة التقليد أيضا ; وذلك لأن التقليد إما أن يستند إلى النظر أو لا .

            فإن كان الأول ، يلزم حرمته ، وإن لم يستند إلى النظر ، بل استند إلى تقليد آخر ، تسلسل . ولقائل أن يقول : لا نسلم أن التقليد إن لم يستند إلى النظر ، احتاج إلى تقليد آخر ، ولم لا يجوز أن يستند التقليد إلى الكشف والمشاهدة ، فلم يحتج إلى تقليد آخر .




            الخدمات العلمية