الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ومثل : أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم . قال : فلا إذا .

            ومثال النظير : لما سألته الخثعمية : إن أبي أدركته الوفاة ، وعليه فريضة الحج ، أينفعه إن حججت عنه ؟ فقال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ؟ فقالت : نعم .

            فنظيره في المسئول كذلك .

            وفيه تنبيه على الأصل والفرع والعلة .

            وقيل : إن قوله - عليه الصلاة والسلام - لما سأله عمر عن قبلة الصائم : " أرأيت لو تمضمضت ، ثم مججته ، أكان ذلك مفسدا ؟ فقال : لا " . من ذلك .

            [ ص: 95 ] وقيل : إنما هو نقض لما توهمه عمر - رضي الله عنه - من إفساد مقدمة الإفساد ، لا تعليل لمنع الإفساد ، إذ ليس فيه ما يتخيل مانعا ، بل غايته أن لا يفسد .

            التالي السابق


            ش - الثاني من وجوه الإيماء : أن يقدر الشارع وصفا لو لم يكن تقديره للتعليل ، لكان تقديره من الشارع بعيدا، سواء كان التقدير في محل السؤال ، أو في نظيره .

            مثال التقدير في محل السؤال : ما روي أنه سئل - عليه السلام - عن بيع الرطب بالتمر ، فقال - عليه السلام : أينقص الرطب إذا جف ؟ فقالوا : نعم . فقال : فلا إذا .

            فإنه لو لم يكن تقدير نقصان الرطب بالجفاف لأجل التعليل ، لكان تقديره بعيدا ; إذ لا فائدة فيه حينئذ ; لأن الجواب يتم بدونه .

            مثال التقدير في نظير محل السؤال : ما روي أنه لما سألته - عليه السلام - الخثعمية ، وقالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته الوفاة ، وعليه فريضة الحج ، أينفعه إن حججت ؟ فقال - عليه السلام : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ؟ فقالت : [ ص: 96 ] نعم .

            فإنه لو لم يكن تقدير قضاء الدين عن الميت لأجل تعليل النفع به ، لكان تقديره بعيدا .

            ولما كان الوصف المقدر في غير المسئول علة للحكم ، وجب أن يكون نظير ذلك الوصف في المسئول علة للحكم ، فإن في كلام الرسول - عليه السلام - تنبيها على الأصل الذي هو دين الآدمي على الميت ، وعلى الفرع الذي هو الحج الواجب عليه ، وهو نظير لدين الآدمي ، وعلى العلة التي هي قضاء الدين عن الميت .

            واختلف الأصوليون في قوله - عليه السلام - لما سأله عمر عن قبلة الصائم : أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته ، أكان ذلك [ ص: 97 ] مفسدا ؟ فقال عمر : لا .

            فقال بعض الأصوليين : هو من مثال النظير ، فإنه - عليه السلام - قدر الوصف في نظير المسئول ، ورتب الحكم عليه ، ونبه على الأصل والفرع والعلة .

            وقال بعضهم : إنما هو نقض لما توهمه عمر من إفساد مقدمة الإفساد ، أي توهم عمر أن القبلة التي هي مقدمة الوقاع المفسد مفسد ، فنقض الرسول - عليه السلام - ذلك بالمضمضة ; فإنها مقدمة الشرب المفسد ، مع أنها غير مفسدة ، لا تعليل لمنع الإفساد ، أي لم يقدر الرسول - عليه السلام - تمضمض الماء لتعليل منع الإفساد ; إذ ليس في تمضمض الماء ما يتخيل أن يكون مانعا من الإفساد ، فإن مقدمة المفسد لا يتخيل منها منع الإفساد ، بل غاية التمضمض أن لا يفسد ; لأن غاية المقدمة أن لا تقام مقام ما تكون مقدمة له ، إلا أن تكون مانعة مما يقتضيه .




            الخدمات العلمية