الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ومنها : أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي .

            لنا : لو كان عدما ، لكان مناسبا أو مظنة مناسب ، وتقرير الثانية أن العدم المطلق باطل ، والمخصص بأمر إن كان وجوده منشأ مصلحة فباطل ، وإن كان منشأ مفسدة ، فمانع ، وعدم [ ص: 28 ] المانع ليس علة .

            وإن كان وجوده ينافي وجود المناسب ، لم يصلح عدمه مظنة لنقيضه ; لأنه إن كان ظاهرا تعين بنفسه ، وإن كان خفيا ، فنقيضه خفي ، ولا يصلح الخفي مظنة للخفي ، وإن لم يكن فوجوده كعدمه .

            وأيضا لم يسمع أحد يقول : العلة كذا أو عدم كذا ، واستدل بأن ( لا علة ) عدم ، فنقيضه وجود .

            وفيه مصادرة ، وقد تقدم مثله .

            التالي السابق


            ش - الشرط الثالث : أن لا يكون علة الأصل عدما في الحكم الثبوتي ، خلافا لبعض الأصوليين .

            واحتج على أنه لا يجوز أن تكون علة الأصل عدما - إذا كان الحكم ثبوتيا - بوجهين :

            أحدهما : أنه لو كان الوصف الجامع في الحكم الثبوتي عدما ، لكان مناسبا أو مظنة مناسب ، [ ص: 29 ] والتالي باطل .

            أما الملازمة فلأن الوصف الجامع لا بد وأن يكون باعثا لما تقدم ، والباعث ينحصر في المناسب والمظنة كما سيأتي .

            والمناسب هو : الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ، ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة .

            ومظنة المناسب : هو ما يلازم الوصف المذكور إذا لم يكن ظاهرا .

            وأما بطلان التالي ، وإليه أشار بقوله : " وتقرير الثانية " ; فلأن العدم إما أن يكون عدما مطلقا ، أو مخصصا بأمر ، أي مضافا إليه .

            والأول باطل ; لأن العدم المطلق يختص ببعض الأحكام الثبوتية دون بعض .

            والثاني أيضا باطل ; لأن وجود الأمر الذي اختص العدم به إما أن يكون منشأ مصلحة لذلك الحكم الثبوتي أو لا .

            والثاني إما أن يكون منشأ مفسدة له أو لا .

            والثاني إما أن يكون منافيا لوجود المناسب لذلك الحكم الثبوتي أو لا .

            [ ص: 30 ] فهذه أربعة أقسام ، والجميع باطل .

            أما الأول : وهو أن يكون وجود الأمر الذي اختص به العدم منشأ لمصلحة الحكم الثبوتي ; فلأن عدمه حينئذ لا يكون مناسبا للحكم الثبوتي ، ولا مظنة مناسب لاستلزام عدمه فوات تلك المصلحة .

            وأما الثاني : وهو أن يكون وجود ذلك الأمر الذي اختص العدم به منشأ لمفسدة الحكم الثبوتي ; فلأنه حينئذ يكون وجود ذلك الأمر مانعا من تحقق ذلك الحكم الثبوتي ، فعدمه عدم المانع ، وعدم المانع لا يكون علة بالاتفاق .

            وأما القسم الثالث : وهو أن يكون وجود ذلك الأمر الذي اختص به العدم منافيا لوجود المناسب لذلك الحكم الثبوتي ; فلأن عدم ذلك الأمر المنافي للمناسب لا يصلح أن يكون مظنة للمناسب الذي هو نقيض ذلك الأمر المنافي; لأن نقيضه أعني المناسب ، إن كان ظاهرا ، تعين أن يكون بنفسه علة من غير احتياجه إلى مظنة ، وإن كان خفيا ، فنقيضه - وهو ذلك الأمر المنافي له - أيضا خفي ، فعدم ذلك الأمر المنافي للمناسب أيضا خفي . والخفي لا يصلح أن يكون مظنة للخفي .

            وأما الرابع : وهو أن يكون وجود ذلك الأمر الذي اختص العدم به ، لا يكون منافيا للمناسب ، فوجوده كعدمه ، وإذا تساوى [ ص: 31 ] وجوده وعدمه ، لا يكون عدمه مناسبا ولا مظنة مناسب .

            واعلم أن المصنف جعل المنافي المناسب قسيما لما هو منشأ مفسدة ، وذلك غير مستقيم ; لأن المنافي للمناسب داخل فيما هو منشأ مفسدة ، فلا يكون قسيما له .

            قيل : ظهور المناسب لا ينافي أن يكون عدم المنافي مظنة له ، فيعلل بعدم المنافي كما يعلل بالمظنة الوجودية .

            وفيه نظر ; لأنه إذا كان المناسب ظاهرا ، تعين كونه علة ، وإلا لاجتمع علتان على معلول واحد .

            الثاني : أنه لم يسمع عن أحد من المجتهدين يقول : العلية كذا ، أو عدم كذا ، ولو كان العدم علة للحكم الثبوتي ، لسمع عن المجتهدين هذا القول في بعض الأوقات ; لأن العادة تقضي بذلك .

            واستدل على عدم جواز التعليل بالعدم بأن العلية موجودة ; لأن ( لا علية ) عدم . فنقيضه - وهو العلية - موجودة . وإذا كانت العلية موجودة ، لم يكن العدم علة ، وإلا لاتصف المعدوم بالأمر الوجودي ، وهو محال ، وفيه مصادرة على المطلوب .

            فإن عدمية لا علية متوقفة على وجود العلية ; لأن عدمية صورة السلب تتوقف على وجود ما دخل عليه السلب . فلو توقف وجود العلية على عدمية اللاعلية ، لزم الدور .

            [ ص: 32 ] وقد تقدم مثل ذلك في مسألة الحسن والقبح ، حيث قيل : الحسن وجودي ; لكونه نقيض الحسن .




            الخدمات العلمية