الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو صح تركبها ، لكانت العلية صفة زائدة ; لأنا نعقل المجموع ونجهل كونها علة ، والمجهول غير المعلوم ، وتقرير الثانية أنها إن قامت بكل جزء ، فكل جزء علة ، وإن قامت بجزء ، فهو العلة .

            وأجيب بجريانه في المتعدد بأنه خبر أو استخبار .

            والتحقيق أن معنى العلة : ما قضى الشارع بالحكم عنده للحكمة ، لا أنها صفة زائدة ، [ ص: 77 ] ولو سلم ، فليست وجودية ; لاستحالة قيام المعنى بالمعني .

            قالوا : يلزم أن يكون عدم كل جزء علة لعدم صفة العلية; لانتفائها بعدمه ، ويلزم نقضها بعدم ثان بعد أول ; لاستحالة تجدد عدم العدم .

            وأجيب بأن عدم الجزء عدم شرط العلية ، ولو سلم ، فهو كالبول بعد اللمس وعكسه . ووجهـه أنها علامات ، فلا بعد في اجتماعها ضربة ومترتبة ، فيجب ذلك .

            التالي السابق


            ش - المانعون من جواز كون العلة مركبة احتجوا بوجهين :

            الأول : لو صح تركب العلة مع أوصاف متعددة ، لكانت العلية صفة زائدة على مجموع تلك الأوصاف ، والتالي باطل .

            أما بيان الملازمة; فلأنا نعقل مجموع تلك الأوصاف ، ونجهل كونها علة ، والمجهول غير المعلوم ، وغير جزئه ، فتكون [ ص: 78 ] العلة زائدة . وأما بيان بطلان التالي ، وإليه أشار بقوله : وتقرير الثانية ; فلأن العلية إن قامت بكل واحد من تلك الأوصاف ، يكون كل واحد علة ، وإن قامت بوصف واحد ، فهو العلة ، وقد فرض بخلافها .

            وأورد على هذا بأنه يجوز أن تكون العلية قائمة بالمجموع ، من حيث هو مجموع ، فحينئذ لا يلزم شيء مما ذكرتم .

            أجيب بأنها إن قامت بالمجموع من حيث هو مجموع ، فلا بد للمجموع من وحدة بها يكون المجموع مجموعا ، وينقل الكلام من العلية إلى تلك الوحدة ، ويلزم التسلسل .

            وفيه نظر ; فإن الوحدة من الأمور الاعتبارية ، والتسلسل في الأمور الاعتبارية لا يكون محالا .

            أجاب المصنف بالنقض الإجمالي ، فإن هذا الدليل بعينه يجري في كون الكلام خبرا واستخبارا ، وذلك لأن الكلام مركب من الألفاظ المتعددة ، وكونه خبرا واستخبارا صفة زائدة عليه ، فإن قام بكل واحد من الألفاظ [ ص: 79 ] يلزم أن يكون كل واحد خبرا ، وإن قام بجزء واحد ، يلزم أن يكون هو الخبر .

            ثم بين التحقيق ، وهو أن معنى العلية : قضاء الشارع بالحكم عند وجود الوصف للحكمة ، لا أن العلية صفة زائدة ، إذ قضاء الشارع بالحكم عند الوصف ليس صفة للوصف ، فضلا عن أن يكون صفة زائدة .

            وإذا لم تكن العلية صفة زائدة ، لم يلزم شيء مما ذكر ، ولو سلم أن العلة صفة زائدة ، فليست وجودية ، وإلا يلزم قيام المعنى بالمعنى ، أي قيام العرض بالعرض ; لأن العلية عرض ، ومجموع الأوصاف أيضا عرض ، فيلزم قيام العرض بالعرض ، وهو محال .

            الثاني : أنه لو كان المركب من الأوصاف علة ، يلزم أن يكون عدم كل منه علة ; لعدم صفة العلية ، والتالي باطل .

            أما الملازمة ; فلانتفاء صفة العلية بانتفاء كل جزء من المركب ; لأن العلية تنتفي بانتفاء المركب ; لأن الصفة تنتفي بانتفاء الذات ، والمركب ينتفي بانتفاء كل جزء منه .

            [ ص: 80 ] وأما بطلان التالي ; فلأنه يلزم نقض علية عدم كل جزء لعدم صفة العلية ، أي يلزم تحقق عدم الجزء بدون عدم صفة العلية ; لأنه لو عدم جزء ثان بعد انعدام جزء أول ، يلزم عدم العلية بانعدام الجزء الأول ، ولا ينعدم العلة بعدم الجزء الثاني ; لاستحالة تجدد عدم المعدوم ; لأن المعدوم لا يعدم .

            أجاب بأن عدم الجزء لا يكون علة لعدم العلية ; لأن وجود كل جزء شرط للعلية ، وعدم الشرط لا يكون علة لعدم المشروط ، فلا يكون عدم الجزء موجبا لعدم العلية ، فلا يلزم النقض ، وإن سلم أن عدم كل جزء علة لعدم العلية ، فهو كوقوع البول بعد اللمس ، وبالعكس ، أي وقوع اللمس بعد البول في كون كل واحد منهما علة لوجوب الوضوء .

            ووجهه أن كل واحد من العلل الشرعية علامات للأحكام الشرعية ، ولا بعد في اجتماع العلامات دفعة واحدة ، أو على سبيل الترتيب ، فلا يلزم النقض .

            قوله : فيجب ذلك ، أي حتى يجب النقض .




            الخدمات العلمية