[ ص: 263 ] وفي هذه السنة كان ظهور الديلم  ، فكان أول من غلب على الري  منهم لنكي بن النعمان  ، ثم ماكان بن كاكي  ، ولقي أهل الجبل  بأسرهم من الديلم  شدة شديدة ، وذلك أنهم أخربوا الجبل  وقتلوا من أهله مقتلة عظيمة حتى الأطفال في المهود ، ثم غلب على الري  أسفار بن شيرويه  ، ومضى إلى قزوين  ، فألزم أهلها مالا وعسفهم عسفا شديدا وأراق دماءهم ، وعذبهم فخرج النساء والشيوخ والأطفال إلى المصلى مستغيثين إلى الله عز وجل منه ، وكان له قائد اسمه مرداويج بن زيار  ، فوثب هذا القائد عليه ، فقتله وملك مكانه وأساء السيرة بأصبهان  ، وانتهك الحرمات ، وجلس على سرير ذهب دونه سرير من فضة يجلس عليه من يرفع منه ، وكان يقول : أنا سليمان بن داود  ، وهؤلاء أعواني الشياطين ، وكان يسيء السيرة في أصحابه وخصوصا الأتراك ، فأصحر يوما بعسكره ، فاشتق العسكر رجل شيخ على دابة ، فقال : قد زاد أمر هذا الكافر واليوم تكفونه قبل تصرم النهار ويأخذه الله إليه ، فدهشت الجماعة ولم ينطق أحد بكلمة ، ومر الشيخ كالريح ، فقال الناس : لم لا نتبعه ونأخذه ونسأله من أين له علم هذا أو نمضي به إلى مرداويج لئلا يبلغه الخبر فيلومنا ، فركضوا في كل طريق ، فلم يجدوه ، ثم عاد مرداويج فدخل إلى داره ونزع ثيابه ، ودخل الحمام فقتله الأتراك وركبوا إلى الإصطبلات لنهب الخيل ، ولما قتل حمل تابوته فمشى الديلم  بأجمعهم حفاة أربعة فراسخ . 
وجاء أبو طاهر الهجري  رئيس القرامطة ، وكان قد أخذ الحاج في سنة اثنتي عشرة ، فلما سمع الناس به اشتد خوفهم ، فبعث أبو القاسم يوسف بن أبي الساج  إلى محاربته ، وتقدم  المقتدر  أن يحمل إلى يوسف سبعون ألف دينار ، فسار نحو الكوفة  وكان مع أبي طاهر  ألف فارس  وخمسمائة راجل ، ومع يوسف أكثر من عشرين ألفا ما بين فارس  وراجل ، وذلك سوى الأتباع ، فلما قرب الهجري من الكوفة  هرب عمال السلطان منها ، فقدم الهجري مقدمته في مائتي راجل ، فنزلت النجف  ، ونزل هو بدير هند بحضرة  [ ص: 264 ] خندق الكوفة  ، وقد كان بعث ليوسف  مائة كر دقيق وألف كر شعير ، فأخذها الهجري فقوي بها وضعف يوسف وسبق الهجري إلى الكوفة  قبل يوسف  بيوم ، فحال بينه وبينها ، وبعث يوسف  إليه ينذره ويقول له : إن أطعت وإلا فالحرب فأبى أن يطيع ، فوقعت الحرب بينهما يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة خمس عشرة على باب الكوفة  ، ولما عاين يوسف  عسكر أبي طاهر  احتقره ، وقال : من هؤلاء الكلاب حتى أفكر فيهم ؟ هؤلاء بعد ساعة في يدي ، وتقدم أن يكتب كتاب الفتح قبل اللقاء ، فلما سمع أصحاب الهجري صوت البوقات والدبادب من عسكر يوسف  ، قال رجل منهم لآخر : هذا فشل ، فقال له : أجل ، ولم يكن في عسكر أبي طاهر  دبادب ولا بوقات ، وثبت يوسف فأثخن أصحاب أبي طاهر  بالنشاب المسموم ، وجرح منهم أكثر من خمسمائة ، فلما رأى أبو طاهر  ذلك وكان في عمارية له نزل فركب فرسا وحمل في خواصه ، وحمل يوسف بنفسه مع ثقاته ، فأسر يوسف  وقتل من أصحابه عدد كثير وانهزم الباقون . 
وقيل لبعض أصحاب الهجري : كيف تغلبون مع قلتكم ؟ فقالوا : نحن نقدر السلامة في الثبوت ، وهؤلاء يقدرونها في الهرب ، وكان قد قبض يوسف بن أبي الساج  على كاتبه أبي عبد الله محمد بن خلف  ، وأخذ منه ما قيمته مائة ألف دينار ، ثم أخذ خطه بخمسمائة ألف دينار . 
وبلغ الخبر إلى بغداد  ، فندب مؤنس للخروج إليه فجاء كتاب : أن الهجري رحل عن الكوفة  إلى ناحية الأنبار  ، وما شك الناس أنه يقصد بغداد  ويملكها ، فماج أهل بغداد  ، فقال علي بن عيسى  للمقتدر بالله   : إن الخلفاء إنما يجمعون المال ليقمعوا به أعداء الدين ، ولم يلحق المسلمين منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من هذا الأمر ، لأن هذا الرجل كافر وقد أوقع بالناس سنة اثنتي عشرة ، وجرى عليهم منه ما لم  [ ص: 265 ] يعهد مثله ، وقد تمكنت هيبته في قلوب الناس ولم يبق في بيت مال الخاصة كثير شيء ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، وخاطب السيدة فإن كان عندها مال قد دخرته لشدة فهذا وقت إخراجه ، فدخل إلى والدته وعاد فأخبر أن السيدة ابتدأته بالبذل ، وأمرت بإخراج خمسمائة ألف دينار لتنفق ، وكان قد بقي في بيت مال الخاصة خمسمائة ألف ، فقال  المقتدر بالله   : أخرج منها ثلاثمائة ألف . فأخرج ذلك ودبر تفرقته ، وبعث عسكرا في أربعين ألفا ، وقطعوا قنطرة عند عقرقوف ، فوصل إليها القرمطي  ، فوجدها مقطوعة ، وسبر المخاضة فلم يجد عبرا ولو وجد لم يثنه عن بغداد  ، فعاد إلى الأنبار   . 
وبلغ علي بن عيسى  أن رجلا يعرف بالشيرازي مقيما ببغداد  يكاتب القرمطي  ، فقبض عليه واستنطقه ، فقال : ما صحبته إلا لأنه على الحق وأنتم مبطلون كفار . فقال : اصدقني عن الذين يكاتبونه . فقال : ولم أصدقك عن قوم مؤمنين حتى تسلمهم إلى أصحابك الكافرين فيقتلونهم لا أفعل هذا أبدا . فصفع ، وضرب بالمقارع ، وقيد ، وغل وجعل في فمه سلسلة ، وحبس فلم يأكل ولم يشرب ثلاثا فمات . 
ووجه يلبق إلى محاربة القرمطي  فلم يثبت يلبق وانهزم ، وكان يوسف بن أبي الساج  أسيرا مع القرمطي  ، فأخرج رأسه من خيمة يتطلع لينظر إلى الوقعة ، فقال له القرمطي   : أردت الهرب وظننت أن غلمانك يخلصونك ، فضرب عنقه . 
ولما انصرف القرمطي  عن الأنبار  تصدق المقتدر والسيدة وعلي بن عيسى  بخمسين ألف درهم . [ولما صلى الناس بمدينة السلام وسلموا تصدقوا بعشرة آلاف درهم ] ولما انصرف عن هيت تصدق  المقتدر بالله  من بيت مال الخاصة بمائة ألف درهم . 
وفي هذه السنة بلغت زيادة دجلة  اثني عشر ذراعا وثلاثين ، ولم يحج في هذه السنة أحد من العراق  وخراسان  لخوف الهجري . 
 [ ص: 266 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					