الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2015 - إبراهيم بن محمد بن نوح بن عبد الله ، أبو إسحاق المزكي الحافظ الزاهد :

إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والرجال والعلل ، وسمع خلقا كثيرا ، [ ص: 73 ] ودخل على أحمد بن حنبل ، وذاكره وكان مجلسه مهيبا ، وقيل: إنه كان مجاب الدعوة ، وكان لا يملك من الدنيا إلا الدار التي يسكنها ، وحانوتا يستغل منه كل شهر سبعة عشر درهما يتقوت بها ، ولا يقبل من أحد شيئا . وكان يشتري له الجزر ، فيطبخ بالخل فيتأدم به طول الشتاء . وكان يقول: خالف الناس الأسود بن يزيد في زوج بريرة ، فقال: إنه كان حرا وقال الناس: إنه كان عبدا . وقال: كل من روى عنه رجلان من أهل العلم ارتفعت عنه الجهالة ، وكل من لا يروي عنه إلا رجل واحد فهو مجهول . وقال أبو علي الحسين بن علي الحافظ: لم تر عيناي مثل إبراهيم بن محمد .

وتوفي في رجب هذه السنة .

2016 - أحمد بن محمد ، أبو الحسين النوري :

وقد قيل إنه محمد بن محمد والأول أصح . وكان يعرف بابن البغوي ، [وكان] أصله من خراسان من ناحية بغ . حدث عن سري السقطي .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، حدثنا عبد العزيز بن علي ، قال: سمعت علي بن عبد الله بن جهضم ، يقول: حدثني عبد الكريم بن أحمد البيع قال: قال أبو أحمد المغازلي: ما رأيت أحدا قط أعبد من النوري ، فقيل: ولا جنيد؟ قال: ولا جنيد .

قال عبد الكريم: ثم حدثني أبو جعفر الفرغاني ، قال: مكث أبو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين ويخرج ليمضي إلى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق فيظن أستاذه أنه قد تغدى في منزله ومن في بيته عندهم أنه قد أخذ معه غداءه وهو صائم . [ ص: 74 ]

وقال أبو الحسن القناد : مات النوري في مسجد الشونيزية جالسا متقنعا ، فبقي أربعة أيام لم يعلم بموته أحد .

2017 - إسماعيل بن أحمد بن أسد [بن نوح] بن سامان . :

من ملوك السامانية ، وهم أرباب الولايات بسمرقند والشاش وفرغانة وتلك البلاد .

وظفر إسماعيل بعمرو بن الليث الصفار الخارجي ، فبعث به إلى المعتضد ، فكتب المعتضد عهد إسماعيل على خراسان ، وبعث إليه الخلع ولما انتهت الخلافة إلى المكتفي بالله كتب له ، عهد [إسماعيل وولاه] من الري إلى ما وراء النهر إلى بلاد الترك وبنى إسماعيل ربطا في المفاوز ، يسع كل رباط منها ألف فارس ، ووقف عليها وقوفا وورد إلى بلاده جيش عظيم من كبار الترك ، فيه ألف وسبعمائة قبة ، ولا تكون القبة التركية إلا لرئيس ومتقدم ، فوجه إسماعيل أحد قواده لقتالهم ، فوافاهم وهم غارون ، فقتل منهم خلقا [كثيرا] ، واستباح عسكرهم وانصرف المسلمون غانمين .

وكان طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث قد استولى على فارس ، بعد أن أسر جده عمرو بن الليث ، فأنفذ المعتضد مولاه بدرا لقتاله ، فبعث طاهر إلى إسماعيل يسأله التوسط بينه وبين الخليفة ليقره على بلاده ويقاطعه على مال ، وأهدى إلى إسماعيل هدايا من جملتها ثلاث عشرة جوهرة ، وزن كل جوهرة ما بين سبعة مثاقيل إلى العشرة ، بعضها أحمر وبعضها أزرق فقومت بمائة ألف دينار ، فكتب إسماعيل إلى المعتضد [ ص: 75 ] فشفع فيه ويخبره بحال الهدية ويسأله في قبولها : فأجابه: لو أنفذ إليك كل عامل لأمير المؤمنين أمثال هذا لكان مما يسره ، وشفعه في طاهر .

وتوفي إسماعيل في صفر هذه السنة في خلافة المكتفي ، فلما بلغه الخبر تمثل المكتفي بقول أبي نواس:


لن يخلف الدهر مثلهم أبدا هيهات هيهات شأنهم عجب

2018 - الحسن بن علي بن شبيب ، أبو علي المعمري الحافظ:

رحل في طلب العلم إلى البصرة والكوفة والشام ومصر . وسمع هدبة ، وابن المديني ، ويحيى في خلق كثير . روى عنه ابن صاعد ، وابن مخلد ، والنجاد ، والخلدي . وكان من أوعية العلم وله حفظ وفهم ، وقال الدارقطني: صدوق حافظ .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] ، قال: قرأت على الحسن بن أبي بكر ، عن أحمد بن كامل القاضي ، قال: مات أبو علي المعمري في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين ، ودفن يوم [ ص: 76 ] الجمعة بعد صلاة العصر على الطريق عند مقابر البرامكة بباب البردان . وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماما ربانيا ، وقد شد أسنانه بالذهب .

قال: وقيل: بلغ اثنتين وثمانين سنة ، وكان قديما يكنى أبا القاسم ، ثم اكتنى بأبي علي ، وقد كان ولي القضاء [للبرتي] على البصرة وأعمالها ، وقيل له:

"المعمري" بأمه أم الحسن بنت سفيان بن أبي سفيان صاحب معمر بن راشد .

2019 - عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب .

واسم أبي شعيب عبد الله بن مسلم ، وكنية عبد الله أبو شعيب [الأموي] الحراني المؤدب المحدث ابن المحدث ابن المحدث ولد سنة ست ومائتين ، وسمع جده ، وأباه ، وعفان بن مسلم ، وأبا خيثمة . روى عنه ابن مخلد ، والمحاملي . وكان صدوقا ثقة مأمونا . توفي في ذي الحجة من هذه السنة ببغداد ، وكان قد استوطنها .

2020 - عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر بن ميمون بن الزبير ، أبو علي البلخي:

سمع قتيبة ، وعلي بن حجر ، روى عنه ابن مخلد ، وأبو بكر الشافعي ، وكان أحد أئمة [أهل] الحديث حفظا وإتقانا وثقة وإكثارا وله كتب مصنفة في التواريخ والعلل ، وتوفي ببلخ في هذه السنة . [ ص: 77 ]

2021 - علي المكتفي بالله ابن المعتضد [بالله:

توفي ببغداد ليلة الأحد مع المغرب لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة . وقال الصولي: توفي بين الظهر والعصر يوم السبت] ودفن في دار محمد [بن عبد الله] بن طاهر ، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة غير شهر ، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة [ويوم] وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما ، ولما احتضر قال له وزيره: ادع بألف ألف دينار ففرقها في أمهات أولادك فإن المسلمين يجعلونك منها في حل لما وفرت عليهم من أموالهم ، فقال: والله لا فعلت ذلك حسبي ما احتقبت ولي عند صافي والداية ستمائة ألف دينار جمعتها منذ كنت صبيا تفرق عليهن ، فإنها تكفيهن ، وأدخل عليه القضاة والخواص وأوصى بالخلافة لأخيه جعفر .

2022 - محمد بن أحمد بن نصر ، أبو جعفر الفقيه الترمذي الشافعي:

ولد في ذي الحجة سنة مائتين ، سكن بغداد وحدث بها عن يحيى بن بكير المصري وغيره . وكان من أهل العلم والزهد ، قال الدارقطني: هو ثقة مأمون ناسك .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، [ ص: 78 ] قال: قرأت على الحسن بن أبي بكر ، عن أحمد بن كامل القاضي ، قال: توفي أبو جعفر الترمذي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ، وكان قد اختلط في آخر عمره اختلاطا عظيما ولم يكن للشافعية فقيه بالعراق أرأس منه ، ولا أشد ورعا وكان من التقلل على حالة عظيمة يعني في المطعم فقرا وورعا وصبرا على الفقر . وكان لا يسأل أحدا شيئا .

وأخبرني إبراهيم بن السري الزجاج: أنه كان يجري عليه أربعة دراهم في الشهر . [ ص: 79 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية