الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1988 - أحمد بن عمرو بن عبد الخالق [أبو بكر] العتكي [المعروف بالبزار] :

كان حافظا للحديث ، وتوفي بالرملة في هذه السنة .

1989 - إبراهيم [بن عبد الله] بن مسلم ، أبو مسلم البصري المعروف بالكجي والكشي:

ولد سنة مائتين ، وعاش اثنتين وتسعين سنة . سمع محمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبا عاصم النبيل ، والقعنبي ، وغيرهم ، وروى الحديث ، وكان عالما ثقة جليل القدر ، وأملى على الناس ، وكان في مجلسه سبعة مستملين ، كل واحد يبلغ صاحبه الذي يليه ، وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر ، ثم مسح المكان [وحسب من حضر بمحبرة] فبلغوا نيفا وأربعين ألف محبرة سوى النظارة ، وكان نذر أن يتصدق إذا حدث بعشرة آلاف درهم . [ ص: 35 ]

أخبرنا [محمد] بن ناصر ، قال: أخبرنا محمود بن الفضل أبو نصر الأصبهاني ، قال: سمعت أبا حفص عمر بن أحمد بن عمر السمسار ، يقول: سمعت جماعة من أصحاب الفاروق بن عبد الكبير الخطابي ، يقولون: سمعنا الفاروق بن عبد الكبير ، يقول: لما فرغنا من قراءة كتاب السنن على أبي مسلم الكجي ، اتخذ لنا مأدبة أنفق فيها ألف دينار .

وقال: شهدت اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل قولي وحدي ، ولو شهدت على دستجة بقل لاحتجت إلى شاهد آخر يشهد معي أفلا أصنعه شكرا لله تعالى .

وبلغني عن إسماعيل القاضي ، قال: سمعت بعض مشايخنا ، يقول: كان أبو مسلم الكجي من قبل أن يحدث يجهز التمر من البصرة إلى بغداد ، وكان له هاهنا وكيل يبيعه له ، فلما حدث بعث إلى وكيله : إني قد حدثت وصدقت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتصدق بما عندك من التمر أو بثمنه إن كنت بعته شكرا لله تعالى على ذلك .

أخبرنا [أبو منصور] القزاز ، قال: أخبرنا: أبو بكر [أحمد بن علي] الحافظ ، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد القرشي ، حدثنا عبد الله [بن إبراهيم بن أيوب] بن ماسي قال: حدثني أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري [ ص: 36 ] الكجي ، قال: خرجت يوما سحرا فغرني القمر ، وكان يوما باردا فإذا الحمام قد فتح ، فقلت أدخل إلى الحمام قبل مضيي في حاجتي ، فدخلت ، فقلت للحمامي: يا حمامي أدخل حمامك أحد؟ فقال: لا ، فدخلت الحمام فساعة فتحت الباب ، قال لي قائل: أبو مسلم أسلم تسلم . ثم أنشأ يقول:


لك الحمد إما على نعمة [وإما على نقمة] تدفع     تشاء فتفعل ما شئته
وتسمع من حيث لا يسمع

قال: فبادرت فخرجت وأنا جزع ، فقلت للحمامي: أليس زعمت أنه ليس في الحمام أحد؟ فقال لي: هل سمعت شيئا؟ فأخبرته بما كان ، فقال: ذاك جني يتراءى لنا في كل حين وينشد الشعر ، فقلت: هل عندك من شعره شيء؟ قال [لي] : نعم ، فأنشدني:


أيها المذنب المفرط جهلا     كم تمادى وتركب الذنب جهلا
كم وكم تسخط الجليل بفعل     سمج وهو يحسن الصنع فعلا
كيف تهدأ جفون من ليس يدري     أرضي عنه من على العرش أم لا

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب ، قال: أخبرنا ابن رزق ، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي ، قال: مات أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي يوم الأحد لسبع خلون من المحرم سنة اثنتين وتسعين ومائتين ، وأحدر به إلى البصرة فدفن هناك . [ ص: 37 ]

1990 - إدريس بن عبد الكريم ، أبو الحسن الحداد ، المقرئ صاحب خلف بن هشام :

ولد سنة تسع وتسعين ومائة ، وسمع أحمد ، ويحيى ، وغيرهما . روى عنه أبو بكر الأنباري ، والنجاد ، والخطبي ، وأبو علي بن الوصاف . وسئل عنه الدارقطني ، فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي بن ثابت ، قال:

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، حدثنا طالب بن عثمان قال: سمعت ابن مقسم ، قال:

كنت عند أبي العباس أحمد بن يحيى إذ جاء إدريس الحداد فأكرمه وحادثه ساعة ، وكان إدريس قد أسن فقام من مجلسه وهو يتساند ، فلحظه أبو العباس [بعينه] ، وأنشأ يقول:


أرى بصري في كل يوم وليلة     يكل وطرفي عن مداه يقصر
ومن يصحب الأيام تسعين حجة     يغيرنه والدهر لا يتغير
لعمري إن أصبحت أمشي مقيدا     لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر

توفي إدريس يوم الأضحى من هذه السنة . [ ص: 38 ]

1991 - الحسن بن سعيد بن مهران ، أبو علي الصفار المقرئ :

من أهل الموصل ، قدم بغداد وحدث بها عن غسان بن الربيع ، ومعلى بن مهدي وغيرهما . روى عنه ابن مخلد ، وأبو بكر الشافعي ، وكان متعففا ، وتوفي في هذه السنة .

1992 - عبد الحميد بن عبد العزيز ، أبو خازم :

القاضي الحنفي ،
أصله من البصرة وسكن بغداد ، وحدث عن بندار ، ومحمد بن المثنى وغيرهما . ولي القضاء بالشام والكوفة وبغداد ، وكان عالما ورعا [ثقة] قدوة في العلوم غزير العقل والدين .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن المحسن ، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر ، قال: أخبرني أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الخصيبي ، قال: قال [لي] ابن حبيب الذارع: كنا ونحن أحداث مع أبي خازم وكنا نقعده قاضيا ونتقدم إليه في الخصومات . قال:

فما مضت الأيام والليالي حتى صار قاضيا .

قال أبو الحسين: وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي ، فقال له: إن لي على الضيعي بيعا وكان للمعتضد ولغيره مال ، وقد بلغني أن غرماءه أثبتوا عندك ، وقد قسطت لهم من ماله ، فاجعلنا كأحدهم . فقال له أبو خازم: قل [ ص: 39 ] له: أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - ذاكر لما قال لي وقت ما قلدني [أنه قد] أخرج الأمر من عنقه ، وجعله في عنقي ، ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة .

فرجع إليه طريف فأخبره ، فقال: قل له فلان وفلان يشهدان - يعني رجلين جليلين كانا في ذلك الوقت - فقال: يشهدان عندي وأسال عنهما ، فإن زكيا قبلت شهادتهما ، وإلا أمضيت ما ثبت عندي ، فامتنع أولئك من الشهادة فزعا ولم يدفع إلي المعتضد شيئا .

وأخبرنا أبو منصور عبد الرحمن [بن محمد] ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا التنوخي ، قال: أخبرني أبي ، قال: حدثني علي بن هشام بن عبد الله الكاتب ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني وكيع القاضي ، قال: كنت أتقلد لأبي خازم وقوفا في أيام المعتضد منها وقوف الحسن بن سهل ، فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر الحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت مجاورة للقصر ، وبلغت السنة [إلى آخرها] وقد جبيت مالها إلا ما أخذه المعتضد ، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال السنة ، واستأذنته في قسمته في سبيله ، فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟ فقال: والله لا قسمت الارتفاع أو تأخذ ما عليه ، والله لئن لم يزح العلة لا وليت له عملا ، ثم قال:

امض إليه الساعة فطالبه ، فقلت: من يوصلني؟ فقال: امض إلى صافي الحرمي ، وقل له إنك رسولي أنفذتك في مهم ، فإذا ما قلت لك . [ ص: 40 ]

فجئت فقلت لصافي ذلك ، فأوصلني وكان آخر النهار ، فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمرا عظيما قد حدث ، وقال: هيه قل ، كأنه متشوف . فقلت له: إنى ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بن سهل ، وفيها ما [قد] أدخله أمير المؤمنين إلى قصره ، ولما جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إلا أن أجيء بما على أمير المؤمنين ، وأنفذني الساعة قاصدا لهذا السبب ، وأمرني أن أقول إني حضرت في مهم لأصل ، قال: فسكت ساعة مفكرا ، ثم قال: أصاب عبد الحميد ، يا صافي هات الصندوق ، فاحضر صندوقا لطيفا فقال: كم يجب لك؟ فقلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات أربعمائة دينار ، فقال: فكيف حذقك بالنقد والوزن؟ قلت:

أعرفهما ، قال: هاتوا ميزانا ، فجيء بميزان ، وأخرج من الصندوق دنانير عينا ، فوزن لي منها أربعمائة دينار ، فقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر ، فقال: أضفها إلى ما [قد] اجتمع [من مال] الوقف عندك وفرقه في غد في سبله ولا تؤخر ذلك ، ففعلت ، وكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك ، وشكرهم للمعتضد في إنصافه .

أخبرنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد [بن علي بن ثابت] ، قال: أخبرنا التنوخي ، [قال: حدثني أبي] قال ، : حدثني أبو الفرج (طاهر - ابن محمد [ ص: 41 ] الصلحي ، قال: حدثني القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر ، قال:

بلغني أن أبا خازم القاضي جلس في الشرقية وهو قاضيها للحكم ، فارتفع إليه خصمان ، فاجترأ أحدهما بحضرته إلى ما يوجب التأديب ، فأمر بتأديبه ، فأدب فمات في الحال ، فكتب إلى المعتضد من المجلس: أعلم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي ، فأمرت بتأديبه فأدب فمات ، فإذا كان المراد بتأديبه مصلحة المسلمين فمات في الأدب فديته واجبة في بيت مال المسلمين ، فإن رأى أمير المؤمنين [أطال الله بقاءه] أن يأمر بحمل الدية لأحملها إلى ورثته فعل . فعاد الجواب إليه بأنا [قد] أمرنا بحمل الدية إليك ، وحمل إليه عشرة آلاف درهم ، فأحضر ورثة المتوفى ودفعها إليهم .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: ذكر لي الحسين بن علي الصيمري ، قال: كان عبيد الله بن سليمان قد خاطب أبا خازم في بيع ضيعة ليتيم تجاور بعض ضياعه ، فكتب إليه: إن رأى الوزير أعزه الله أن يجعلني أحد رجلين: إما رجل صين الحكم به ، أو رجل صين الحكم عنه .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار ، قال: أخبرنا علي بن المحسن [ ص: 42 ] التنوخي ، عن أبيه ، قال: حدثنا أبو الحسين علي بن هشام ، قال: سمعت القاضي أبا جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي ، يحدث أبي ، قال: حدثني أبو خازم القاضي ، قال: كان في حجري أيتام ذكور وإناث خلفهم بعض العمال ورددت أمانتهم إلى بعض الشهود ، فصار إلى الأمين يوما وعرفني أن عامل المستغلات ببغداد الذي يتولى مستغلات السلطان وعامل بادوريا قد أدخلا أيديهما في أملاك الأيتام ، وذكرا أن الوزير عبيد الله بن سليمان أمرهما بذلك عن أمر أمير المؤمنين المعتضد ، فصرت إلى المعتضد في يوم موكب ، فلما انقضى الموكب دنوت منه وشرحت له الصورة ، فقال [لي] : يا عبد الحميد هذا عامل قد خانني في مالي واقتطعه ولي عليه مال جليل من نواح كان يتولاها من ضيعتي خاصة وما لي عليه يضعف هذه الأملاك التي خلفها ، فقلت: يا أمير المؤمنين ما تدعيه عليه يحتاج إلى بينة ، وقد صح عندي أن هذه الأملاك أملاكه يوم مات ، ولا طريق إلى انتزاعها من يد وارثه إلا ببينة ، هذا حكم الله في البالغين ، فكيف في الأطفال؟ قال: فسكت ساعة مطرقا ، ثم دعا بداوة ، ووقع بخطه إلى عبيد الله بن سليمان بالإفراج عن الضياع .

أنبأنا محمد بن أبي طاهر ، أنبأنا علي بن [المحسن ، عن أبيه ، قال: حدثني ] الحسين بن عياش القاضي ، عمن حدثه أنه كان يساير أبا خازم القاضي في طريق فمر عليه رجل فقال: أحسن الله جزاءك أيها القاضي في تقليدك فلانا القضاء ببلدنا ، فإنه [ ص: 43 ] عفيف ، فصاح عليه أبو خازم ، وقال: اسكت عافاك الله تقول في قاض إنه عفيف! هذا من صفات أصحاب الشرطة ، والقضاة فوقها .

قال: ثم سرنا وهو واجم ساعة ، فقلت: ما لك يا أيها القاضي؟ فقال: ما ظننت أني أعيش حتى أسمع هذا ، ولكن [قد] فسد الزمان وبطلت هذه الصناعة ، ولعمري لقد دخل فيها من يحتاج الفاضل معه إلى التقريظ ، وما كان الناس يحتاجون [إلى] أن يقولوا: فلان القاضي عفيف حتى تقلد فلان - وذكر رجلا ، وقال: لا أحب أن أسميه - فقلت: من هذا الرجل؟ فامتنع فألححت عليه ، فأومأ إلى أبي عمر .

توفي أبو خازم في هذه السنة ، وذكر بعض علماء النقل أنه دفن بالكوفة .

1993 - الفضل بن محمد ، أبو برزة الحاسب :

حدث عن يحيى الحماني روى عنه عبد الباقي بن قانع ، وكان ثقة جليل القدر .

توفي في صفر هذه السنة . [ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية