الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها:

اجتماع جماعة القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر [بالله]
، وتناظرهم فيمن يجعل مكانه ، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز ، فأجابهم [إلى ذلك] على أن لا يكون في ذلك سفك دم ، فأخبروه أن الأمر يسلم إليه عفوا ، وأن جميع من وراءهم من القواد والجند قد رضوا به ، فبايعهم على ذلك ، فأصبحوا وقد خلعوا المقتدر [بالله] ، وبايعوا ابن المعتز .

ذكر ثابت بن سنان في تاريخه ، قال: كانت فتنة [عبد الله] بن المعتز [بالله] في شهر ربيع الأول ، لأن التدبير وقع من محمد بن داود بن الجراح مع الحسين بن حمدان على إزالة المقتدر [بالله] ، ونصب ابن المعتز [بالله] ، فواطأ على ذلك [ ص: 80 ] جماعة من الكتاب والقواد والقضاة ، فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول أوقع الحسين بن حمدان بالوزير [أبي] أحمد العباس ، وهو على دابته عند انصرافه من دار الخلافة فقتله ، وكان إلى جانبه فاتك المعتضدي يسايره ، فصاح بالحسين منكرا عليه ، فعطف عليه الحسين فقتله ، ووقع الاضطراب وركض الحسين بن حمدان قاصدا إلى الحلبة مقدرا أن يفتك بالمقتدر [بالله] لأنه كان قد عرف أنه قد خرج إليها ليضرب بالصوالجة ، فلما سمع المقتدر الضجة بادر بالدخول إلى داره فأغلقت الأبواب ، فانصرف الحسين إلى الدار بالمخرم المعروفة بسليمان بن وهب ، وبعث إلى عبد الله بن المعتز يعرفه تمام الأمر وانتظامه ، فنزل عبد الله بن المعتز من دار إبراهيم بن أحمد المادرائي الراكبة للصراة ودجلة ، وعبر إلى دار المخرم ، وحضر القواد والجند والقضاة ووجوه أهل بغداد سوى أبي الحسن بن الفرات ، وخواص المقتدر ، فبايعوا عبد الله ، وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضي بالله . وقال الصولي: المنتصف بالله واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود [الجراح] ، ووجه إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار عبد الله بن طاهر لينتقل [هو] إلى دار الخلافة فأجاب بالسمع والطاعة ، وعاد الحسين بن حمدان من غد إلى دار الخلافة ، فقاتله من فيها من الخدم والغلمان ، ودفعوه فانصرف ، فحمل [ما قدر عليه من] ماله ومتاعه وحرمه ، وسار إلى الموصل ، فقالت الجماعة الذين سمعوا رسالة ابن المعتز [بالله] إلى المقتدر بالانصراف إلى دار [ ص: 81 ] ابن طاهر ، يا قوم نسلم أنفسنا هكذا! لولا نتجرد فيما قد أظلنا لعل الله تعالى يكشفه عنا فلبسوا الجواشن ، وأصعدوا إلى المخرم ، فهرب الناس من بين أيديهم ، وخرج ابن المعتز قاصدا سر من رأى ليتم هناك أمره ، فلم يتبعه أحد فدخل إلى دار أبي عبد الله [بن] الجصاص ، واستجار به ، ووقع النهب والغارة ببغداد ، ووجه المقتدر [بالله] فقبض على أصحاب ابن المعتز [بالله] واعتقلهم وقتل أكثرهم .

وفى ربيع الأول قلد المقتدر [بالله] أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات الوزارة ، فجدد البيعة للمقتدر ، وجاء خادم لابن الجصاص إلى صافي الحرمي فأخبره بأن ابن المعتز في دارهم ، فأنفذ المقتدر صافيا في جماعة فكبس الدار وحمل ابن المعتز وابن الجصاص فقرر على ابن الجصاص مال ، [فأداه وانصرف .

وظهر موت] ابن المعتز في دار السلطان لليلتين خلتا من ربيع الآخر ، وأخرجه مؤنس إلى منزله ملفوفا فسلمه إلى أهله ، فدفنوه في خراب بإزاء داره ، وتلطف ابن الفرات في أمر الحسين بن حمدان حتى رضي عنه وعرف المقتدر أنه متى عاقب جميع من دخل في أمر ابن المعتز فسدت النيات ، فأمر بتغريق الجرائد في دجلة فكثر الشاكرون له . ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد سوى اثنين: الأمين ، والمقتدر [بالله] .

وفى يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد الثلج من غدوة إلى قرب صلاة العصر حتى صار في السطوح والدروب منه . [نحو] أربع أصابع . [ ص: 82 ]

وفى أواخر ربيع الأول سلم جماعة ممن بايع لابن المعتز إلى مؤنس الخادم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من فدى نفسه .

وللنصف من شعبان خلع على مؤنس الخادم ، وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الروم فخرج .

وفى هذه السنة أمر المقتدر أن لا يستعان بأحد من اليهود والنصارى ، فألزموا بيوتهم وأخذوا بلبس العسلي والرقاع من خلف ومن قدام وأن تكون ركبهم خشبا .

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ، ورجع كثير من الحاج لقلة الماء وإبطاء المطر ، وخرج الناس للاستسقاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية