الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1978 - أحمد بن يحيى بن زيد بن يسار ، أبو العباس الشيباني ، مولاهم المعروف بثعلب :

إمام الكوفيين في النحو واللغة ، ولد سنة مائتين . وسمع إبراهيم بن المنذر ، ومحمد بن زياد الأعرابي ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، والزبير بن بكار ، وغيرهم روى عنه ابن الأنباري ، وابن عرفة ، وأبو عمر الزاهد ، وأبو معشر وغيرهم وكان ثقة حجة دينا صالحا مشهورا بالصدق والحفظ .

وكان يقول: طلبت العربية واللغة في سنة ست عشرة ومائتين ، وابتدأت بالنظر في حدود الفراء وسني ثماني عشرة ، وبلغت خمسا وعشرين وما بقي علي مسألة للفراء [و] لا شيء [من كتبه ] إلا [و] قد حفظته ، وسمعت من القواريري مائة ألف حديث .

[قال أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الزهري: كان بيني وبين أبي العباس مودة وكيدة ، وكنت أستشيره في أموري ، فجئته يوما أشاوره في الانتقال من محلة إلى [ ص: 25 ] أخرى لتأذي الجوار ، فقال أبا محمد: العرب تقول صبرك على أذى من تعرفه خير لك من استحداث من لا تعرف] .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب ، قال: أخبرني أحمد بن علي بن الحسين المحتسب ، قال: أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن موسى [ابن] العلاف ، قال: حدثني أبو عمر الزاهد ، قال: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فسأله سائل عن شيء ، فقال: لا أدري ، فقال له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل ، وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال له ثعلب: لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] ، قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب ، قال: أنشدنا إسحاق بن أحمد الكاذي ، قال: أنشدنا ثعلب:


بلغت من عمري ثمانينا وكنت لا آمل خمسينا     فالحمد لله وشكرا له
إذ زاد في عمري ثلاثينا     وأسأل الله بلوغا إلى
مرضاته آمين آمينا

توفي ثعلب يوم السبت ، لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين ، ودفن في مقبرة باب الشام وقبره ظاهر . وأدركه صمم في آخر عمره . [ ص: 26 ]

1979 - إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل ، أبو إسحاق الخواص:

من أهل سر من رأى ، وكان يسافر كثيرا ، فتوفي في هذه السنة بالري ، وغسله ودفنه يوسف بن الحسين ، وقيل: توفي في سنة أربع وثمانين .

1980 - الحسن بن علي بن المتوكل بن ميمون أبو محمد ، مولى عبد الصمد بن علي الهاشمي :

روى عن عاصم وعفان ، وروى عنه إسماعيل الخطبي ، وكان ثقة .

توفي في محرم هذه السنة .

1981 - الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة ، أبو علي المروزي :

قدم بغداد ، وحدث بجامع الترمذي عن المحبوبي . روى عنه العتيقي ، وقال الأزهري: سمعت منه وكان شيخا فهما ثقة له هيبة .

توفي في ذي الحجة من هذه السنة .

1982 - سليمان بن يحيى بن الوليد ، أبو أيوب الضبي ، المقرئ :

قرأ القرآن بحرف حمزة ، وكان شيخا صالحا يقرئ في مدينة المنصور . [ ص: 27 ]

وسمع الحديث من خلف بن هشام وغيره ، روى عنه أبو بكر ابن الأنباري ، وأبو الحسين ابن المنادي .

وتوفي في هذه السنة .

1983 - القاسم بن عبيد الله بن سليمان ، الوزير:

وزير المعتضد والمكتفي ، وفوض إليه المكتفي جميع الأمور ، ومرض في رمضان [في] هذه السنة ، فأمر أن يطلق العمال من الحبوس ، ويكفل من عليه مال ، ويطلق من في الحبس من العلويين الذين أخذوا ظلما بسبب القرمطي الناجم بالشام ، وزادت علته فاستخلف ابن أخيه أبا أحمد عبد الوهاب بن الحسن بن عبيد الله ، فجاء يعرض على المكتفي ، فلما خرج من بين يديه تمثل المكتفي:


ولما أبى إلا جماحا فؤاده     ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
تسلى بأخرى غيرها فإذا الذي     تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي

توفي القاسم يوم الأربعاء ، لست خلون من ذي القعدة . وكان قد وجه في صدر نهاره بالعباس بن الحسن أبي أحمد ، وأبي الحسن علي بن عيسى إلى المكتفي ، وكتب معهما كتابا إليه يخبره أنه في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، ويسأله التفضل على ولده ومخلفيه ، ويشير عليه بأن يستكتب [بعده] أحد الرجلين اللذين أنفذهما إليه فاختار استكتاب العباس وخرجا بالجواب إليه [وتوفي] في تلك الساعة . [ ص: 28 ]

قال أبو بكر الصولي: ومن العجائب التي رأيتها أنا كنا نبكر لعيادة القاسم بن عبيد الله كل يوم ، فدخلنا يوم الأربعاء الذي توفي فيه إلى داره ، فرأينا ابنيه : أبا علي ، وأبا جعفر قد خرجا ، فقام الناس إليهما ، ودنا العباس بن الحسن فقبل يديهما فمات القاسم في بقية اليوم ، وخوطب العباس بالوزارة فرأيته بعد العصر [و] قد صار إلى دار القاسم ، فخرج الولدان جميعا ، فقبلا يده ، وكان الحاصل من ضياع القاسم في كل سنة سبعمائة ألف دينار .

1984 - محمد بن أحمد بن البراء بن المبارك ، أبو الحسن العبدي :

سمع خلف بن هشام ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي ، وغيرهم . وكان ثقة صدوقا .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا أبو العلاء الواسطي . حدثنا محمد بن أحمد بن حماد الكوفي ، حدثنا الحسن بن إسماعيل الكندي ، قال: حدثني أبو جعفر بن البراء ، قال: اتصل بعمي أبي الحسن عن القاضي إسماعيل بن إسحاق شيء ، فعزم إسماعيل على الركوب إليه ، فبادره عمي أبو الحسن بالركوب ، فلما دخل عليه أنشأ يقول:


صفحت برغمي عنك صفح ضرورة      [إليك وفي قلبي ندوب من العتب]

فأجابه إسماعيل [يقول] :


ولا زال بي شوق إليك مبرح     يذلل مني كل ممتنع صعب

توفي أبو الحسن بن البراء في شوال هذه السنة . [ ص: 29 ]

1985 - محمد بن أحمد بن النضر بن عبد الله بن مصعب ، أبو بكر [المعنى] ابن بنت معاوية بن عمرو الأزدي:

ولد في سنة ست وتسعين ومائة ، وسمع جده معاوية ، والقعنبي وغيرهما ، روى عنه ابن صاعد ، وابن مخلد ، وأبو بكر النجاد ، وغيرهم قال عبد الله بن أحمد ، ومحمد بن عبدوس: هو ثقة لا بأس به .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا الخطيب ، قال: حدثنا ابن رزق ، أخبرنا إسماعيل بن علي قال: مات أبو بكر محمد بن أحمد بن النضر يوم الجمعة قبل الصلاة .

ودفن وقت العصر ، وذلك لخمس خلون من صفر ، سنة إحدى وتسعين ومائتين .

ودفن في مقابر باب الشام .

1986 - محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن ، أبو عبد الله [العبدي] البوشنجي :

شيخ أهل الحديث في عصره ، سمع بمصر ، والحجاز ، والكوفة ، والبصرة ، وبغداد ، والشام [وحدث في البلاد] وروى عنه البخاري ، ومحمد بن إسحاق الصغاني .

توفي في غرة محرم هذه السنة ، ودفن بنيسابور . [ ص: 30 ]

1987 - [محمد بن محمد] بن إسماعيل بن شداد ، أبو عبد الله الأنصاري ، القاضي المعروف بالجذوعي :

حدث عن مسدد بن مسرهد ، وعلي بن المديني ، وابن نمير وغيرهم .

[و] روى عنه [أبو عمرو] بن السماك وغيره وكان ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، [قال:

أخبرني علي بن المحسن القاضي] قال: أخبرني أبي ، قال: قال أبو الحسين محمد بن علي [بن] الخلال البصري: حدثني أبي ، وسمعته من غيره: أن القضاة والشهود بمدينة السلام أدخلوا على المعتمد [على الله] للشهادة عليه في دين كان عليه اقترضه عند الإضافة بالإنفاق على صاحب الزنج ، فلما مثلوا بين يديه قرأ عليهم إسماعيل بن بلبل الكتاب ، ثم قال: إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يأمركم بأن تشهدوا عليه بما في هذا الكتاب ، فشهد القوم حتى بلغ الكتاب إلى الجذوعي القاضي ، فأخذه بيده ، وتقدم إلى السرير ، وقال: يا أمير المؤمنين ، أشهد عليك بما في هذا الكتاب؟ فقال: اشهد ، فقال: إنه لا يجوز أن أشهد ، أو تقول نعم اشهد علي ، قال: [ ص: 31 ]

نعم ، فشهد في الكتاب ثم خرج ، فقال المعتمد: من هذا؟ فقيل له: الجذوعي البصري ، فقال: وما إليه؟ قالوا: ليس إليه شيء ، فقال: مثل هذا لا ينبغي أن يكون مصروفا فقلدوه [واسطا فقلده إسماعيل وانحدر ] .

فاحتاج الموفق يوما إلى مشاورة الحاكم فيما يشاور في مثله ، فقال: استدعوا القاضي ، فحضر وكان قصيرا وله دنية طويلة فدخل في بعض الممرات ومعه غلام له فلقيه غلام [كان] للموفق ، وكان شديد التقدم عنده [وكان مخمورا] ، فصادفه في مكان خال من الممر فوضع يده على دنيته حتى غاص رأسه فيها فتركه ومضى ، . فجلس الجذوعي في مكانه ، وأقبل غلامه حتى فتقها وأخرج رأسه منها ، وثنى رداءه على رأسه وعاد إلى داره ، وأحضر الشهود ، فأمرهم بتسليم الديوان ، ورسل الموفق يترددون ، وقد سترت الحال عنه حتى ذكر بعض الشهود لبعض الرسل الخبر فعاد إلى الموفق فأخبره بذلك فأحضر صاحب الشرطة ، وأمره بتجريد الغلام ، وحمله إلى باب دار القاضي وضربه هنالك ألف سوط ، وكان والد هذا الغلام من جلة القواد ومحله محل من لو هم بالعصيان لأطاعه أكثر الجيش ، فلم يقل شيئا وترجل القواد وصاروا إليه ، وقالوا: مرنا بأمرك ، فقال: إن الأمير الموفق أشفق عليه مني فمضى القواد بأسرهم مع الغلام إلى باب دار الجذوعي ، فدخلوا إليه وضرعوا له ، فأدخل صاحب الشرطة والغلام ، وقال [له] : لا تضربه ، فقال: لا أقدم على خلاف الموفق ، فقال: [ ص: 32 ]

فإني أركب إليه وأزيل ذلك عنه ، فركب فشفع له وصفح عنه .

وتوفي الجذوعي يوم السبت لست خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة ببغداد . [ ص: 33 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية