الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها :

أنه ورد في يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من المحرم كتاب من أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي ، وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بالبصرة والأهواز ، بمصير جماعة من الديلم من أصحاب مرداويج إلى أصبهان وتسلمهم إياها لمرداويج الديلمي ، وأنه قد خرج قائد جليل من قواده كان يتقلد له بالبصرة ، وأنه فاز بمال جليل وهرب وصار إلى أرجان يقال له علي بن بويه ، وأنه كتب إليه بأنه في طاعة السلطان ، وأنفذ منه كتابا إلى الوزير الخصيبي يسأله في الورود إلى الحضرة ، أو النفوذ إلى شيراز لينضم إلى ياقوت مولى أمير المؤمنين القاهر بالله المتولي لأعمال المعادن بفارس وكرمان ، وكان أبو علي ابن مقلة [قد استتر من القاهر لخوفه منه ، وكان القاهر بطاشا ، وكان ابن مقلة ] في مدة استتاره يراسل الجند ويغريهم على القاهر ، ويوحشهم منه ، ويعرفهم أنه قد بنى لهم المطامير ، وعمل على حبسهم فيها ، واحتال من جهة منجم يعرف بسيما ، وكان يخوفهم من القاهر من طريق النجوم ، فاجتمع الجند وذكروا أنه قد صح عندهم أن القاهر قد عمل حبوسا يحبسهم فيها فأنهي ذلك إلى القاهر ، فحلف [ ص: 335 ] أنه لم يفعل ذلك فاتفقوا على القبض على القاهر ، [وتحالفوا ] فقال لهم سيما : إن كنتم على هذا العزم فقوموا بنا الساعة ، فقالوا : بل نؤخره إلى غد ، فإنه يوم موكب يجلس فيه للسلام ويظهر لنا فنقبض عليه ، فقال : إن تفرقتم الساعة وأخرتم إمضاءه إلى ساعة أخرى بطل ما دبرتموه ، فركبوا معه وصاروا إلى الدار ، ورتب على أبوابها غلمانا ، ووقف هو على باب العامة ، وأمر بالهجوم فهجموا كلهم من سائر الأبواب في وقت واحد ، فبلغ الخبر الوزير الخصيبي فخرج في زي امرأة واستتر ، فلما دخلوا على القاهر هرب إلى سطح حمام فاستتر فيه ، فوجدوه فقبضوا عليه وصاروا به إلى موضع الحبوس فحبسوه ، ووكلوا بباب البيت جماعة .

ووقع النهب ببغداد ، وخلع يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى من هذه السنة ، وسملت عيناه في هذا اليوم [حتى سالتا جميعا فعمي ، وارتكب منه أمر عظيم لم يسمع بمثله في الإسلام ، فكانت خلافته إلى هذا اليوم ] سنة وستة أشهر وسبعة أيام ، وبقي القاهر محبوسا في دار السلطان إلى سنة ثلاث وثلاثين ، ثم خرج إلى دار ابن طاهر ، فكان تارة يحبس وتارة يخلى ، فخرج يوما فوقف بجامع المنصور يتصدق وقصد بذلك التشنيع على المكتفي ، فرآه أبو عبد الله بن أبي موسى ، فمنعه من ذلك وأعطاه خمسمائة درهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية