[ ص: 539 ] باب العمرى والرقبى من اختلاف مالك  والشافعي      - رضي الله عنهما -  
مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : " أخبرنا  سفيان   ، عن  عمرو بن دينار   ، عن  طاوس   ، عن  حجر المدري   ، عن  زيد بن ثابت   ،  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل العمرى للوارث  ومن حديث  جابر      - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  لا تعمروا ولا ترقبوا ، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث     . قال  الشافعي      - رحمه الله - : وهو قول  زيد بن ثابت   ،  وجابر بن عبد الله   ،  وابن عمر   ،  وسليمان بن يسار   ،  وعروة بن الزبير      - رضي الله عنهم - وبه أقول ( قال  المزني      ) رحمه الله : معنى قول  الشافعي   عندي في العمرى أن يقول الرجل : قد جعلت داري هذه لك عمرك أو حياتك ، أو جعلتها لك عمري أو رقبى ، ويدفعها إليه فهي ملك للمعمر تورث عنه إن مات " .  
قال  الماوردي      : اعلم أن  العمرى والرقبى عطيتان من عطايا الجاهلية   ، ورد الشرع فيهما بأمر ونهي ، اختلف الفقهاء لأجلهما وفي الذي أريد بهما ، أما العمرى فهو أن يقول : جعلت داري هذه لك عمري ، أو يقول : قد جعلتها لك عمرك ، أو مدة حياتك ، فيكون له مدة حياته وعمره ، فإذا مات رجعت إلى المعمر إن كان حيا ، أو إلى وارثه إن كان ميتا ، سميت عمرى لتملكه إياها مدة عمره وحياته ، وإذا مات رجعت إلى المعمر ومنه - قوله تعالى - :  هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها      [ هود : 61 ] يعني أسكنكم فيها مدة أعماركم فصرتم عمارها .  
وأما الرقبى فهو أن يقول : قد جعلت داري هذه لك رقبى ، يعني : إنك ترقبني وأرقبك ، وإن مت قبلي رجعت إلي ، وإن مت قبلك فالدار لك ، فسميت رقبى من مراقبة كل واحد منهما لصاحبه ، وكان الناس في الجاهلية على ما وصفنا في العمرى والرقبى إلى أن جاء ما رواه  الشافعي   بإسناده في أول الكتاب ، فاختلف الفقهاء في الرقبى والعمرى ، فذهب  داود   وأهل الظاهر وطائفة من أصحاب الحديث إلى بطلانها استدلالا بعموم النهي ، وذهب  الشافعي   ومالك  وأبو حنيفة   وصاحباه : إلى جوازها على ما سنذكره استدلالا برواية  قتادة   ، عن  عطاء   ، عن  جابر   ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  العمرى جائزة     .  
وروى  الشافعي   ، عن  عبد الوهاب   ، عن  هشام   ، عن  يحيى بن أبي كثير   ، عن  أبي سلمة   ، عن      [ ص: 540 ] جابر   ، عن  عبد الله   قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  العمرى لمن وهب  فأما قوله : "  لا تعمروا ، ولا ترقبوا     " فقد اختلف أصحابنا إلى ماذا يوجه النهي على وجهين :  
أحدهما : أنه يوجه إلى الحكم ، وهذا أظهر الوجهين فيه : لأنه قال :  فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه فهو سبيل الميراث     .  
والوجه الثاني : أنه يوجه إلى اللفظ الجاهلي ، والحكم المنسوخ على ما سنشرحه من بعد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					