الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6236 ص: فقال قائل: إنما جعلنا الشاة تجزئ عن أكثر ما تجزئ عنه البقرة والجزور؛ لأن الشاة أفضل منهما، فقيل له: ولم قلت ذلك؟ وما دليلك عليه؟ وقد روي عن النبي -عليه السلام- ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا أبو بكر الحنفي ، قال: ثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر: " [ أن رسول الله -عليه السلام- كان يضحي بالجزور إذا وجد وكان لا يذبح البقرة والغنم وهو قادر عليه، ثم إذا لم يجد الجزور ذبح البقرة والغنم والكبش إذا لم يجد جزورا]". .

                                                [ ص: 549 ] فأخبر عبد الله بن عمر في هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- كان يضحي بالجزور إذا وجده، وذلك دليل أنه كان يذبح ما سواه مما يضحى به من البقر والغنم وهو قادر عليه، ويضحي بالشاة إذا لم يقدر على الجزور، فذلك دليل على أن الجزور كان عنده أفضل من الشاة، وقد رأينا الهدايا في الحج جعل للبقرة فيها من الفضل ما لم يجعل للشاة، فجعلت البقرة مما يشترك فيها الجماعة، فيهدونها عن قرانهم ومتعتهم، ولم تجعل الشاة كذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا رد من جهة أهل المقالة الأولى؛ لما قاله أهل المقالة الثالثة من قولهم الذي بينه الطحاوي .

                                                قوله: "فلما جعلت البقرة عن سبعة" إلى قوله: "وثبت ضده" وهو قول من قال: إن الشاة لا تجزئ عن واحد" بيانه أنه يقال: لا نسلم أن يكون جواز الشاة عن أكثر مما تجزئ عنه البقرة أو البدنة مبنيا على ما ذكرتم حتى يرد به، وإنما أجزناه لأن الشاة أفضل من البقرة والبدنة، وأجاب عن ذلك بقوله: "فقيل له:..." إلى آخره وهو ظاهر.

                                                قوله: "وقد روي عن النبي -عليه السلام-... إلى آخره" ذكره شاهدا لما قاله من أن الجزور أفضل من الشاة.

                                                وأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي أيضا عن أبي بكر الحنفي واسمه عبد الكبير عن عبد المجيد البصري، روى له الجماعة، يروي عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر فيه مقال، فقال يحيى: ضعيف، وقال النسائي: متروك الحديث.

                                                يروي عن أبيه نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث عبد الكبير الحنفي، نا عبد الله بن نافع ، عن أبيه، عن ابن عمر: "أن النبي -عليه السلام-، كان يضحي بالمدينة بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد جزورا".

                                                [ ص: 550 ] فإن قيل: قد وجدنا أحاديث تدل على أن الضأن أفضل:

                                                منها: ما رواه ابن حزم من طريق هشام بن سعد عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة : "أن جبريل -عليه السلام- قال للنبي -عليه السلام- يوم الأضحى: يا محمد، إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعزى، وأن الجزع من الضأن خير من السيد من البقر، وأن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل، ولو علم الله ذبحا هو أفضل منه لفدى به إبراهيم -عليه السلام-".

                                                ومنها: ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال - رحمه الله -: "مر النعمان بن أبي فطيمة على رسول الله -عليه السلام- بكبش أقرن أعين فقال -عليه السلام-: ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبح إبراهيم -عليه السلام-".

                                                قال ابن حزم : وروي نحوه من طريق زياد بن ميمون عن أنس -رضي الله عنه-.

                                                ومنها: ما رواه ابن حزم أيضا من طريق وكيع عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن النبي -عليه السلام- قال: "خير الأضحية الكبش". وفي رواية عن عبادة بن نسي عن أبيه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "خير الكفن الحلة وخير الأضحية الكبش"، أخرجه البزار .

                                                قلت: قد قال ابن حزم : هذه الأخبار مكذوبة أما خبر أبي هريرة وعبادة بن نسي فعن هشام بن سعد وهو ضعيف جدا، وطرحه أحمد وأساء القول فيه جدا ولم يجز الرواية عنه يحيى بن سعيد ، وزياد بن ميمون مذكور بالكذب، وخبر عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وهو ضعيف ومرسل مع ذلك وأيضا ففي الخبر

                                                [ ص: 551 ] المنسوب إلى أبي هريرة كذب ظاهر، وهو قوله [إنه] فدى الله به إبراهيم ولم يفد إبراهيم بلا شك وإنما فدي ابنه.

                                                قوله: "من السيد من المعزى" أي من المسن منه وقيل: من الجليل منه، والسيد يجيء لمعان فيأتي على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والمتحمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم، وأصله من ساد يسود، وأصل السيد: سيود قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.

                                                فإن قيل: كيف مذاهب الفقهاء في هذا الباب؟

                                                قلت: قال مالك: لا تجزئ الأضحية إلا في الإبل والبقر والغنم والنعجة والعنز، والتيس أفضل من الإبل والبقر.

                                                وقال أبو حنيفة والشافعي : الإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم الماعز، وأصنافه ثمانية: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ولا يجوز من غير هذه الأصناف، وقال الحسن بن حي: تجوز الأضحية ببقرة وحشية عن سبعة وبالظبي أو الغزال عن واحد، وأجاز أبو حنيفة بما حملت به البقرة الإنسية من الثور الوحشي وبما حملت به العنز من الوعل.

                                                وقال ابن حزم : الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو حافر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله، والأفضل في ذلك ما كثر لحمه وطاب وغلا ثمنه والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية