الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5282 5283 ص: وكان من الحجة لهم في الحديث الأول: أن قول النبي -عليه السلام-: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" إنما كان قبل أن تملك المرأة الناقة؛ لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب، وكل الناس يقول: إن من أخذ شيئا من أهل الحرب فلم ينج به إلى دار الإسلام أنه غير محرز له وغير مالك، وأن ملكه لا يقطع عليه حتى يخرج به إلى دار الإسلام، فإذا فعل ذلك فقد غنمه وملكه؛ فلهذا قال النبي -عليه السلام- في شأن المرأة ما قال؛ لأنها نذرت قبل أن تملكها لئن الله - عز وجل - نجاها عليها لتنحرنها، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك؛ لأن نذرها ذلك كان منها قبل أن تملكها. فهذا وجه هذا الحديث، وليس فيه دليل على أن المشركين قد كانوا ملكوها على النبي -عليه السلام- بأخذهم إياها منه أم لا؟ ولا على أن أهل الحرب يملكون بما أوجفوا من أموال المسلمين أيضا أم لا؟ والذي فيه الدليل على ذلك ما حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة الطائي: " ، أن رجلا أصاب له العدو بعيرا، فاشتراه رجل منهم فجاء به فعرفه صاحبه فخاصمه إلى رسول الله -عليه السلام-، فقال: إن شئت أعطيت عنه الذي اشترى به فهو لك، وإلا فهو له". .

                                                [ ص: 414 ] حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا حسين بن حفص الأصفهاني، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن سماك ، عن تميم بن طرفة ، عن النبي -عليه السلام- نحوه.

                                                فهذا هو الذي فيه وجه هذا الحكم في هذا الباب كيف هو.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي، وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، أشار بهذا إلى الجواب عن حديث عمران بن حصين الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، وحاصله أنه لا يدل لهم فيما ذهبوا إليه ولا يتم استدلالهم به؛ لأنه ليس فيه دلالة على ما ذكروه، والذي فيه الدليل هو حديث تميم بن طرفة الطائي؛ فإنه صرح فيه بما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

                                                وأخرج حديثه من طريقين صحيحين مرسلين:

                                                الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضا، عن عبيد الله بن محمد التيمي المعروف بابن عائشة، شيخ أبي داود ، عن حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة الطائي المسلي الكوفي التابعي .

                                                وأخرجه ابن حزم : من طريق حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة: "أن عثمان -رضي الله عنه- اشترى بعيرا من العدو، فعرفه صاحبه فخاصمه إلى النبي -عليه السلام-، فقال له النبي -عليه السلام-: إن شئت أعطيته الثمن الذي اشتراه به وهو لك، وإلا فهو له".

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن حسين بن حفص بن الفضل الأصهباني ، عن سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة الطائي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان ، عن سماك ، عن تميم بن طرفة قال: "أصاب المسلمون ناقة لرجل من المسلمين فاشتراها رجل

                                                [ ص: 415 ] من العدو، فخاصمه صاحبها إلى النبي -عليه السلام- فأقام البينة، فقضى النبي -عليه السلام- أن يدفع إليه الثمن الذي اشتراها به من العدو وإلا خلى بينه وبينها".


                                                فإن قيل: قد قال ابن حزم : هذا لا يصلح للحجة؛ لأنه منقطع، وسماك ضعيف يقبل التلقين، شهد به عليه شعبة وغيره.

                                                وقال البيهقي أيضا: هذا مرسل.

                                                وقال الشافعي: لا تثبت به حجة.

                                                قلت: ترك هؤلاء العمل بالمراسيل ليس بحجة على غيرهم ولا نسلم أن سماكا ضعيف؛ لأن مسلما احتج به في "صحيحه" ووثقه يحيى وأبو حاتم، وإنما قالوا: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، على أن ياسين الزيات قد روى هذا الحديث عن سماك ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة مسندا مرفوعا.

                                                ورواه أيضا إبراهيم بن محمد الهمداني أو الأنباري ، عن زياد بن علاقة ، عن جابر بن سمرة مسندا.




                                                الخدمات العلمية