الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5681 ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز ، قال: ثنا علي بن المبارك ، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ، أن السائب بن يزيد حدثه، أن رافع بن خديج -رضي الله عنه- حدثه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كسب الحجام خبيث، ومهر البغي خبيث، ، وثمن الكلب خبيث". .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح، فيه صحابي عن صحابي، أحدهما: هو السائب بن يزيد بن سعيد الكندي الصحابي، والآخر: رافع بن خديج الأنصاري .

                                                وبقية الرجال رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق .

                                                وأخرجه مسلم: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني إبراهيم بن قارظ ، عن السائب بن يزيد ... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 68 ] وأخرجه الترمذي: قال: ثنا محمد بن رافع، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ... إلى آخره نحوه.

                                                وقال: حديث رافع حديث حسن صحيح.

                                                وفيه: أن كسب الحجام خبيث، ولكنه محمول على أن المراد منه التنزه عن كسبه؛ لأنها من الصنائع المستقذرة الذميمة، والشرع يحض على مكارم الأخلاق والتنزه عن الدناءة، والدليل على ذلك:

                                                ما رواه مسلم: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "حجم النبي -عليه السلام- عبد لبني بياضة، فأعطاه النبي -عليه السلام- أجره، وكلم سيده فخفف عنه ضريبته، ولو كان سحتا لم يعطه".

                                                وقد ذهب بعض الناس إلى منع ذلك في الأحرار، واستعمل الحديث فيمن وقع على صفة ما وقع عليه، وأظنهم يجيزونه في العبد ليعلف به نواضحه ورقيقه.

                                                وفي الترمذي: "أنه -عليه السلام- استؤذن في إجارة الحجام فنهى الذي استأذنه عنها، فلم يزل يستأذنه ويسأله حتى قال: اعلفه ناضحك ورقيقك".

                                                قال القاضي: كذا قال أحمد بن حنبل وفقهاء أصحاب الحديث كما أشار إليه أنه محرم على الأحرار مباح للعبيد أخذا بظاهر الحديث الذي ذكره من قوله: "اعلفه ناضحك ورقيقك"، وعامة الفقهاء على خلاف قولهم، وأنه جائز أكله، وحملوا الحديث على التنزيه والحض على مكارم الأخلاق؛ إذ لا يجوز للرجل أن يطعم عبيده ما لا يحل أكله، وجعلوا أن إباحته هذه ناسخة لقوله: "كسب الحجام خبيث" والخبيث: الحرام، وأنه آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا تراه في حديث "الموطأ" والترمذي نهاه أولا فلم يزل يسأله حتى أباح له إطعامه لناضحه

                                                [ ص: 69 ] ورقيقه؟ وأنه حجمه أبو طيبة وأعطاه أجره؟! ولا يعطي النبي -عليه السلام- ما لا يحل، والحجام هنا هو الذي يحجم لا ما يطلقه الناس على المزين وغيره.

                                                قال القاضي: وقد رأيت الطحاوي ذهب إلى جواز الاستئجار على فصد العرق وتعريب الدواب. قال: فكذلك الحجامة. والذي عنده أنه لا فرق بين فصد العرق والحجامة، وأنه يدخلها من الكراهة ما دخلها؛ لا سيما على ما جاء في بعض الأحاديث: "نهى عن ثمن الدم"، وقد قيل: إن النهي عن كسب الحجام قد يحتمل أن يكون بيع دم ما يفصده من الحيوانات لمن يستجيز أكلها من الكفرة، أو لاستعمالها في بعض الأشياء، واحتج على ذلك بقوله: ونهى عن ثمن الدم".

                                                وقيل: إنما كره لأنه لا يشترط أجرة معلومة قبل العمل، وإنما يعمل غالبا بأجر مجهول.

                                                وهذا لا تعلق فيه، وقد أجاز العلماء مثل هذا على ما استمرت به العادة في المكارمة، وإن كان لابن حبيب من أصحابنا ما ظاهره المنع في كل إجارة حتى يسمى الأجر، وقد حكى الداودي في هذا الباب جواز ما جرت به العادة أيضا في معاملة الجزار وبياع الفاكهة ودفع الثمن إليه ليعطيك مما يبيعه دون أن تساومه أو تعرف كيف يبيعه.




                                                الخدمات العلمية