الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5218 5219 5220 ص: قال أهل المقالة الأولى: فقد روي حديث حبيب هذا بلفظ يدل على ما قلنا.

                                                فذكروا ما حدثنا أبو أمية ، قال: ثنا علي بن الجعد ، قال: أنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة ، -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث بعد الخمس".

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس، وينفل إذا قفل الثلث بعد الخمس".

                                                حدثنا فهد ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالا: ثنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة: ، أن رسول الله -عليه السلام- كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس".

                                                قالوا: فقد دل ما ذكرنا أن ذلك الثلث الذي كان رسول الله -عليه السلام- ينفله في الرجعة هو الثلث بعد الخمس.

                                                قيل لهم: قد يحتمل هذا أيضا ما ذكرنا.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما أول أهل المقالة الثانية حديث حبيب بن مسلمة الذي روي من طريق سليمان بن موسى ، عن زياد بن جارية، عنه، بالتأويل المذكور، وهو أنه يحتمل أن يكون تنفيله -عليه السلام- هو ثلث الخمس على ما مر ذكره مستقصى، عارضهم أهل المقالة الأولى في ذلك، وقالوا: قد روي حديث حبيب بن مسلمة هذا بلفظ آخر يدل على ما قلنا ويرد تأويلكم، وهو ما رواه مكحول الشامي ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب: "أن رسول الله -عليه السلام- كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث بعد الخمس". وقد صرح ها هنا أن تنفيله -عليه السلام- الثلث إنما كان بعد الخمس، فأجاب

                                                [ ص: 319 ] الطحاوي عن ذلك بقوله: "قيل لهم: قد يحتمل هذا أيضا ما ذكرنا" يعني يحتمل أن يكون معناه كان ينفل في الرجعة ثلث الخمس بعد إخراج الخمس، والاحتمال المذكور هناك موجود ها هنا، فلا يتم به الاستدلال، بل يكون الحديث على كل حال حجة لنا عليهم، فافهم.

                                                ثم إنه أخرج هذا الحديث ها هنا من ثلاث طرق:

                                                الأول: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري وأبي داود ، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان - تكلم فيه بعضهم، ووثقه ابن حبان - عن أبيه ثابت بن ثوبان ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية - بالجيم - عن حبيب .

                                                وأخرجه الطبراني: ثنا عبد الله بن محمد بن عزيز الموصلي، ثنا غسان بن الربيع، ثنا ابن ثوبان ، عن أبيه، عن مكحول ، عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة قال: "نفل رسول الله -عليه السلام- الثلث".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ... إلى آخره.

                                                والكل ثقات.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان ، عن يزيد بن يزيد بن جابر الشامي ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية التميمي ، عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه قال: "كان رسول الله -عليه السلام- ينفل الثلث بعد الخمس".

                                                وله في رواية أخرى: "كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل".

                                                [ ص: 320 ] الثالث: عن فهد بن سليمان وعلي بن عبد الرحمن، كلاهما عن عبد الله بن صالح وراق الليث ، عن معاوية بن صالح بن حدير الحمصي قاضي الأندلس، عن العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي الدمشقي ، عن مكحول ... إلى آخره.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه أبو داود أيضا: عن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "إذا قفل" أي: رجع، والقفول: الرجوع.




                                                الخدمات العلمية