الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها:


أنه ورد كتاب من الرقة يذكر فيه أن يحيى بن زكرويه بن مهرويه ، المكنى بأبي القاسم ، المعروف بالشيخ - وكان من دعاة القرامطة - وافى [الرقة] في جمع كثير ، فخرج إليه جماعة من أصحاب السلطان ، فهزمهم ، وقتل رئيسهم .

وورد الخبر أن جيشا خرجوا من دمشق إلى القرمطي ، فهزمهم وقتل رئيسهم ، فوجه أبو الأغر لحرب القرمطي في عشرة آلاف .

ولعشر بقين من جمادى الآخرة خرج المكتفي بعد العصر عامدا إلى سامرا يريد البناء بها ، للانتقال إليها ، فدخلها يوم الخميس لخمس بقين من جمادى ، ثم انصرف إلى مضارب ضربت له بالجوسق ، فدعا القاسم بن عبيد الله والقوام بالبناء فقدروا له ما يحتاج إليه من المال ، وأكثروا عليه ، وطولوا مدة الفراغ ، وجعل القاسم يصرفه عن رأيه في ذلك فثناه عن عزمه فعاد .

وفي يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من شعبان قرئ كتابان في الجامعين بقتل [ ص: 15 ] يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ ، قتله المصريون على باب دمشق بعد أن قتل منهم خلقا [كثيرا] وكسر لهم جيوشا .

وكان يحيى هذا يركب جملا فإذا أشار بيده إلى ناحية من نواحي محاربيه انهزموا . فافتتن بذلك أصحابه ، فلما قتل عقد أخوه الحسين لنفسه وتسمى بأحمد بن عبد الله ، وتكنى بأبي العباس ، ودعا إلى ما كان يدعو إليه أخوه ، فأجابه أكثر أهل البوادي وقويت شوكته ووصل إلى دمشق فصالحه أهلها على شيء فانصرف عنهم ، ثم صار إلى أطراف حمص فتغلب عليهم وخطب له على منابرها وتسمى بالمهدي ، ثم صار إلى حمص ، فأطاعه أهلها ، وفتحوا له بابها خوفا على أنفسهم ، ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان وغيرها ، فقتل أهلها و [سبى] النساء والصبيان ، وسار إلى سلمية فحاربه أهلها ، ثم وادعهم ودخلها فقتل من بها من بني هاشم ، ثم قتل البهائم وصبيان الكتاتيب ، ثم خرج إلى ما حول ذلك يقتل ويسبي ويخيف السبيل ، ويستبيح وطء نساء الناس ، وربما أخذ المرأة فوطئها جماعة منهم ، فتأتى بولد فلا يدرى من أيهم هو ، فيهنأ به جميعهم .

ولليلتين خلتا من رمضان أمر المكتفي بإعطاء الجند أرزاقهم والتأهب لحرب القرمطي بناحية الشام ، فأطلق للجند في دفعة واحدة مائة ألف دينار ، وكان السبب أن أهل الشام كتبوا إليه يشكون ما يلقون من القرامطة ، فخرج المكتفي حتى انتهى إلى الرقة ، فنزلها ، وسرح إلى القرمطي جيشا بعد جيش ، وكان القرمطي يكتب إلى أصحابه : من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدي المنصور بالله ، الناصر لدين الله ، [ ص: 16 ] القائم بأمر الله ، الحاكم بحكم الله ، الداعي إلى كتاب الله ، الذاب عن حريم الله ، المختار من ولد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] . وكان ينتحل أنه من ولد علي [ابن أبي طالب ] عليه سلام الله .

ووقع ثلج ببغداد يوم الرابع والعشرين من كانون الثاني منذ أول النهار إلى العصر .

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس بن محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية