الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها:


أنه اضطرب أمر أبي الحسن علي بن عيسى بن الجراح ، وجرت بينه وبين أم موسى القهرمانة نفرة شديدة ، فامتنع من كلامها وواصل الاستعفاء ، فقبض عليه وعلى أنسابه ، ونهبت دورهم دونه ولم يتعرض لشيء من أملاكه .

وأخرج أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات ، فقلد الوزارة وخلع عليه يوم التروية سبع خلع ، وحمل إليه من دار السلطان ثلاثمائة ألف درهم ، وعشرون خادما ، وثلاثون دابة لرحله وخمسون دابة لغلمانه وخمسون بغلا لنقله وبغلان للعمارية بقبابها وثلاثون جملا ، وعشر تخوت ثياب . وركب معه مؤنس الخادم وغلمان المقتدر [بالله] وصار إلى داره بسوق العطش ، وردت عليه ضياعه ، وأقطع الدار التي بالمخرم [فسكنها] ، وسقى الناس في داره في ذلك اليوم وتلك الليلة أربعون ألف [ ص: 167 ] رطل من الثلج ، وزاد ثمن الشمع والكاغد يومئذ ، فكان هذا من فضائله ، وكان بين اعتقاله وبين رجوعه إلى الوزارة خمس سنين وأربعة أيام ، وسمع بعض العوام يوم خلع عليه يقول: "وا لك خذ إليك أخذوا منا مصحفا وأعطونا طنبورا" فبلغ ذلك الخليفة ، فكان ذلك سبب الإحسان إلى علي بن عيسى ، وحسن النية فيه إلى أن أخرج عن الحبس .

وفى فصل الصيف من هذه السنة: تفزع الناس من شيء من الحيوان يسمى الزبزب ، ذكروا أنهم يرونه بالليل على سطوحهم ، وأنه يأكل أطفالهم ، وربما قطع يد الإنسان إذا كان نائما ، وثدي المرأة فيأكله ، فكانوا يتحارسون طول الليل ، ويتزاعقون ، ويضربون الطسوت والهواوين والصواني ليفزعوه فيهرب . وارتجت بغداد من الجانبين بذلك ، واصطنع الناس لأطفالهم مكاب من سعف يكبونها عليهم بالليل ، ودام ذلك حتى أخذ السلطان حيوانا أبلق كأنه من كلاب الماء ، وذكروا أنه الزبزب ، وأنه صيد ، فصلب عند رأس الجسر الأعلىبالجانب الشرقي فبقي مصلوبا إلى أن مات ، فلم يغن ذلك شيئا ، وتبين الناس أنه لا حقيقة لما توهموه ، فسكنوا إلا أن اللصوص وجدوا فرصة بتشاغل الناس بذلك الأمر ، وكثرت النقوب وأخذ الأموال .

وورد الخبر في هذه السنة من خراسان أنه وجد بالقندهار في أبراج سورها أزج متصل بها فيه ألف رأس في سلاسل ، من هذه الرءوس تسعة وعشرون رأسا ، في أذن [ ص: 168 ] كل رأس رقعة مشدودة بخيط إبريسم باسم كل رجل منهم ، وكان من الأسماء شريح بن حيان ، وخباب بن الزبير ، والخليل بن موسى ، وطلق بن معاذ ، وحاتم بن حسنة ، وهانئ بن عروة . وفي الرقاع تاريخ من سنة سبعين من الهجرة ، فوجدوا على حالاتهم لم تتغير شعورهم إلا أن جلودهم قد جفت ، وقلد سنان ابن ثابت الطبيب أمر المارستانات ببغداد وكانت خمسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية