الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها:


أنه قدم رسول ملك الروم في الفداء ، والهدنة . وكان الرسول غلاما حدث السن ومعه شيخ وعشرون غلاما ، فأقيمت له الأنزال الواسعة ، ثم أحضروا بعد أيام دار السلطان ، وأدخلوا وقد عبئ لهم العسكر [وصف] بالأسلحة التامة ، وكانوا مائة وستين ألفا [ما بين] فارس وراجل ، وكانوا من أعلى باب الشماسية إلى الدار ، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم والخواص بالسمة الظاهرة ، والمناطق المحلاة وكانوا سبعة آلاف خادم منهم أربعة آلاف بيض ، وثلاثة آلاف سود ، وكان الحجاب سبعمائة حاجب ، وفي دجلة الطيارات والزبازب والسميريات بأفضل زينة ، وسار الرسول ، فمر على دار نصر القشوري الحاجب ، فرأى منظرا عظيما ، فظنه الخليفة ، فداخلته له هيبة حتى قيل له: إنه الحاجب ، وحمل إلى دار الوزير ، فرأى أكثر مما رأى ولم يشك أنه الخليفة ، فقيل له: هذا الوزير ، وزينت دار الخليفة ، فطيف بالرسول فيها [ ص: 175 ] فشاهد ما هاله ، وكانت الستور ثمانية وثلاثين ألف ستر ، والديباج المذهب منها اثنا عشر ألفا وخمسمائة وكانت البسط اثنين وعشرين ألفا ، وكان في الدار من الوحش قطعان تأنس بالناس وتأكل من أيديهم ، وكان هناك مائة سبع كل سبع بيد سباع ، ثم أخرج إلى دار الشجرة ، وكانت شجرة في وسط بركة فيها ماء صاف ، والشجرة ثمانية عشر غصنا ، لكل غصن منها شاخات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة ، وأكثر قضبان الشجرة فضة وبعضها مذهب ، وهي تتمايل ، ولها ورق مختلف الألوان ، وكل [شيء] من هذه الطيور يصفر ، ثم أدخل إلى الفردوس ، وكان فيه من الفرش والآلات ما لا يحصى ، وفى دهاليزه عشرة آلاف جوشن مذهبة معلقة ، ويطول شرح ما شاهد الرسول من العجائب ، إلى أن وصل إلى المقتدر وهو جالس على سرير من آبنوس قد فرش بالدبيقي المطرز ، وعن يمنة السرير تسعة عقود معلقة ، وعن يسرته تسعة أخرى من أفخر الجواهر ، يعلو ضوؤها على ضوء النهار ، فلما وصل الرسولان إلى الخليفة وقفا عنده على نحو مائة ذراع ، وعلي بن محمد بن الفرات قائم بين يديه ، والترجمان واقف يخاطب ابن الفرات ، وابن الفرات يخاطب الخليفة ، ثم أخرجا وطيف بهما في الدار حتى أخرجا إلى دجلة ، وقد أقيمت على الشطوط الفيلة مزينة والزرافة والسباع والفهود ، ثم خلع عليهما وحمل إليهما خمسون [سقروقا في كل سقروق] بدرة عشرة آلاف درهم .

وورد من مرو كتاب على السلطان أن نفرا عثروا من سور مدينة مرو على نقب ، [ ص: 176 ] فكشفوا عنه الكيس فوصلوا إلى أزج فأصابوا فيه ألف رأس ، وفي أذن كل رأس رقعة كتب فيها اسم صاحبه .

وفي هذه السنة: ورد على السلطان هدايا جليلة من أحمد بن هلال صاحب عمان ، وفيها أنواع الطيب ، ورماح ، وطرائف من طرائف البحر ، وطائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغاء ، وظباء سود .

وفيها قلد أبو عمر محمد بن يوسف القضاء بالحرمين وكتب له عهده .

وفيها ثارت فتنة بالبصرة ، وشغبوا على واليهم الحسن بن الخليل الفرغاني ، وأحرق الجامع وقتل [من] العامة خلق عظيم .

وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية