الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل :

271 - ذكر الطبراني - رحمه الله - في دلائل النبوة ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا العباس بن بكار الضبي ، ثنا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال : قال العباس - رضي الله عنه - : خرجت في تجارة إلى اليمن ركب منهم أبو سفيان بن حرب ، فكنت أصنع يوما طعاما ، وأنصرف بأبي سفيان ، وبالنفر ، ويصنع أبو سفيان يوما ، فيفعل مثل ذلك ، فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه : هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي ، وترسل إلي غداءك ؟ قلت : نعم ، فانصرفت ، أنا والنفر إلى بيته ، فلما تغدى القوم قاموا ، واحتبسني ، فقال : هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول الله ؟ قلت : أي بني أخي ؟ فقال أبو سفيان : إياي تكتم ؟ وأي بني أخيك ينبغي أن يقول ذاك إلا رجل واحد ؟ قلت : وأيهم هو ؟ قال : هو محمد بن عبد الله ، قلت : قد فعل ؟ قال : بلى ، قد فعل ، فأخرج كتابا : من حنظلة بن أبي سفيان أخبرك أن محمدا قام بالأبطح ، فقال : أنا رسول الله ، أدعوكم إلى الله ، فقال العباس : قلت : لعله يا أبا حنظلة صادق ، فقال : مهلا يا أبا الفضل ، فوالله ما أحب أن تقول هذا ، إني لأخشى أن تكون كنت على صبر من هذا الحديث يا بني عبد المطلب ، إنه والله ما برحت قريش تزعم أن لكم هنة ، وهنة ، فنشدتك يا أبا الفضل هل سمعت ذلك ؟ قلت : نعم ، قال : فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد الله بن حذافة بالخبر ، وهو مؤمن ، ففشا ذلك في مجالس اليمن ، وكان أبو سفيان يجلس مجلسا باليمن يتحدث فيه حبر من أحبار اليهود ، فقال له اليهودي : ما هذا الخبر ؟ بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الذي قال ما قال ، قال أبو سفيان : صدقوا ، وأنا عمه ، قال اليهودي : أخو أبيه ، قال : نعم ، قال : فحدثني عنه ، فقال : لا تسألني ما كنت أحسب أن يدعي هذا الأمر أبدا ، وما أحب أن أعينه ، فقال اليهودي : ليس به بأس على يهود ، وتوراة موسى ، قال العباس : فناد إلى الخبر ، فحميت ، وخرجت حتى جلست ذلك المجلس من الغد ، وفيه أبو سفيان بن حرب ، والحبر ، فقلت للحبر : بلغني أنك سألت ابن عمي عن رجل منا زعم أنه رسول الله ، فأخبرك أنه عمه ، وليس بعمه ، ولكن ابن عمه ، وأنا عمه أخو أبيه ، قال : أخو أبيه ؟ قلت : أخو أبيه ، فأقبل على أبي سفيان ، فقال : صدق ؟ قال : نعم ، صدق ، فقال : سلني عنه ، فإن كذب ، فليرده علي ، فأقبل علي ، فقال : نشدتك هل كانت لابن أخيك صبوة ، أو سفهة ؟ قلت : لا ، وإله [ ص: 204 ] عبد المطلب ، ولا كذب ، ولا خان ، وإن كان اسمه عند قريش الأمين ، فقال : هل كتب بيده ؟ قال العباس : فظننت أنه خير له أن يكتب بيده ، فأردت أن أقولها ، ثم ذكرت مكان أبي سفيان أنه مكذبي ، وراد علي ، فقلت : لا يكتب ، فوثب الحبر ، وترك رداءه ، وقال : ذبحت يهود ، وقتلت يهود ، قال العباس : فلما رجعنا إلى منازلنا ، قال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، إن اليهود تفزع من ابن أخيك ، قلت : قد رأيت ما رأيت ، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به ؟ فإن كان حقا كنت قد سبقت ، وإن كان باطلا ، فعمل غيرك من أكفائك ، فقال : لا أؤمن به حتى أرى الخيل في كذا ، قلت : ما تقول ؟ قال : كلمة جاءت على فمي ألا إني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كذا ، قال العباس : فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كذا ، قلت : يا أبا سفيان ، تذكر الكلمة ، قال : إي والله إني لذاكرها ، والحمد لله الذي هداني للإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية