الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
201 - أخبرنا عمر بن أحمد السمسار ، أنا أبو سعيد النقاش ، أنا أبو أحمد العسال ، ثنا محمد بن إبراهيم بن داود ، حدثني الحسن بن كليب بن المعلى ، ثنا يزيد بن أبي حبيب ، ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال : خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود ، فقالوا : امضوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه ، ونكذبه أن يقول : إني رسول الله رب العالمين ، فأتوا باب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون : آدم خير منه ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح ، وسليمان - صلوات الله عليهم أجمعين - ، إذ خرج عليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ما أحسن ظن محمد - صلى الله عليه وسلم - بالله - عز وجل - ، وأكثر شكره لما أعطاه الله ، فسمعت اليهود كلام عمر ، فقالوا : ما ذاك محمد ، ولكن ذاك موسى بن عمران كلمه الله - عز وجل - ، فغضب عمر - رضي الله عنه - وضرب بيده إلى شعب اليهودي ، وجعل يضربه ، فهربت اليهود ، وقال : مروا بنا إلى محمد حتى نشكو إليه ، فلما دخلوا سلموا ، فرد عليهم السلام ، فقالت اليهود يا محمد ، نعطي الجزية ، ونظلم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ومن ظلمكم ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما كان عمر ليظلم أحدا حتى يسمع منكرا ، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا ، فدعا عمر بن الخطاب ، فقال له : يا عمر ، أظلمت هؤلاء ؟ فقال عمر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو أن سيفي بيدي لضربت أعناق هؤلاء أجمعين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولم يا عمر ؟ قال : خرجت من عندك آنفا وأنا أقول : ما أحسن ظن محمد بالله ، وأكثر شكره لما أعطاه الله ، فقالت اليهود : ما ذاك محمد ، ولكن ذاك موسى بن عمران ، يفديك نفسي أموسى خير منك ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : موسى أخي ، وأنا خير منه ، وأفضل ، وأعطيت أفضل مما أعطي ، فعجبت اليهود ، وقالوا : هذا أردنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وما ذاك ؟ قالت اليهود : آدم خير منك ، وموسى خير منك ، وعيسى [ ص: 165 ] خير منك ، ونوح خير منك ، وإبراهيم خير منك ، وسليمان خير منك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كذبتم ، أنا خير من هؤلاء ، وأنا أفضل منهم فضلا ، قالت اليهود : هات بيان ذلك في التوراة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ادعوا لي عبد الله بن سلام ، والتوراة بيني وبينكم ، فنصبت التوراة ، فقال لليهود : آدم خير مني ، قالوا : نعم ، قال : ولم ، قالوا : لأن الله خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : آدم أبي ، ولكني أعطيت أفضل مما أعطي ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات من المشرق إلى المغرب أشهد أن محمدا رسول الله ، ولا يقال : أن آدم رسول الله ، ولواء الحمد بيدي ، وليس بيدي آدم ، فقالت اليهود : صدقت يا محمد ، هذا مكتوب بالتوراة ، قالوا : هذه واحدة ، قالت اليهود : نوح خير منك ، قال : لم ، قالوا : لأن سفينته جرت على الأرض واستوت على الجودي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت أفضل منه ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : إن الله - عز وجل - يقول في كتابه : ( إنا أعطيناك الكوثر ) نهرا في السماء السابعة من تحت العرش عليه ألف قصر لبنة من فضة ، وأخرى من ذهب ترابها الزعفران ، ورضراضها در ، وياقوت لي ، ولأمتي ، قالوا : صدقت يا محمد ، هذا خير من ذاك ، هاتان ثنتان ، قالت اليهود : إبراهيم خير منك ، قال : ولم ، قالوا : لأن الله - عز وجل - اتخذه خليلا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إبراهيم خليل الله ، وأنا حبيبه ، أتدرون لأي شيء سميت محمدا ؟ قالوا : لا ، قال : إن الله اشتق اسمي من اسمه ، فهو الحميد ، وأنا محمد ، وأمتي الحمادون ، قالوا : صدقت يا محمد ، هذا خير من ذلك ، هذا خير من ذلك ، هذه ثلاثة ، قالت اليهود : موسى خير منك ، قال : ولم ، قالوا : لأن الله كلمه بأربعة آلاف كلمة ، وأربع مائة كلمة ، وأربع وأربعين كلمة ، ولم يكلمك بشيء ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد أعطيت أفضل منه ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : قوله في كتابه : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ) ، فحملني على جناح جبريل حتى انتهيت إلى السماء السابعة ، وجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتى تعلقت بأستار العرش ، فنوديت من فوق العرش : يا محمد ، أنا الله لا إله إلا أنا ، أرى ربي بقلبي ، ولم أره بعيني ، فهذا أفضل من ذلك ، قالوا : صدقت يا محمد ، هذا مكتوب في التوراة ، قالوا : هذه أربعة ، قالت اليهود : عيسى خير منك ، قال : ولم ، قالوا : لأن عيسى ابن مريم صعد عقبة بيت المقدس ، فجاءت الشياطين لتحمله ، فأمر الله جبريل - عليه السلام - ، فضرب بجناحه الأيمن وجوههم ، فألقاهم إلى النار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خيرا منه ، أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديد [ ص: 166 ] الجوع ، فاستقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة ، وفي الجفنة جدي مشوي ، وفي كمها شيء من سكر ، فقالت : يا محمد ، الحمد لله الذي سلمك ، قد كنت نذرت لله نذرا إذا قدمت سالما من غزوة العدوة لأذبحن هذا الجدي ، ولأشوينه ، وأحمل إلى محمد ليأكل منه ، فاستنطق الجدي ، فاستوى قائما على أربع قوائم ، فقال : يا محمد ، لا تأكلني ، فإني مسموم ، قالت اليهود : صدقت يا محمد ، هذا خير من ذلك ، قالوا : هذه خمس بقيت واحدة ، ونقوم ، قالوا : سليمان خير منك ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولم ، قالوا : لأن الله سخر له شياطين الجن ، والإنس ، والرياح ، وعلم كلام الطير ، والهوام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد أعطيت أفضل منه ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : لأن الله سخر لي البراق ، وهو خير من الدنيا بحذافيرها ، وهي دابة من دواب الجنة ، وجهه وجه آدمي ، وحوافره حوافر الخيل ، وذنبه ذنب البقر ، فوق الحمار ، ودون البغل ، مسرج من ياقوت أحمر ، وأخضر ، ركاباه من درة بيضاء ، مزموم بسبعين ألف زمام ، له جناحان ، مكلل بالدر ، والياقوت ، مكتوب بين عينيه لا إله إلا الله محمد رسول الله ، قالت اليهود : صدقت يا محمد ، هذا مكتوب في التوراة ، هذا خير من ذلك كله ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، ولا فخر ، وأنا أول من يعطي البهاء ، والنور ، ولا فخر ، وأنا أول من يقرع باب الجنان ، ولا فخر ، وأنا أول من يدخل أمته الجنة ، ولا فخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية