الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
340 - قال الواقدي : ورآه رجال من يهود ، وعرفوا صفته ، وهم فلان ، ودبيس ، وتمام ، وهم أهل الكتاب ، وهموا أن يغتالوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذهبوا إلى بحيراء ، فذاكره ذلك ، وهم يظنون أن بحيراء سيتابعهم على آرائهم ، فنهاهم أشد النهي ، وقال لهم : أتجدون صفته ؟ قالوا : نعم ، قال : فما لكم إليه سبيل ؟ فتركوه ، وخرج به أبو طالب سريعا خائفا من يهود أن يغتالوه ، قال : ولما بلغ رسول الله خمسا وعشرين سنة ، وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكاملت فيه خصال الخير ، قال له أبو طالب : يا ابن أخي ، أنا رجل لا مال لي ، وقد اشتد الزمان علينا ، وألحت علينا سنون منكرة ، وليست لنا مادة ، ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرانها ، فيتجرون لها في مالها ، ويصيبون منافع ، فلو جئتها ، فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك ، [ ص: 232 ] وفضلتك على غيرك ؛ لما يبلغها من طهارتك ، وإن كنت لأكره أن تأتي الشام ، وأخاف عليك من يهود ، فما أجد من ذلك بدا ، وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ، ومال كثير ، وتجارة تبعث بها إلى الشام ، فيكون عيرها كعامة عير قريش ، وكانت تستأجر الرجل ، وتدفع المال إليه مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا من لم يكن تاجرا من قريش ، فليس عندهم بشيء ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلعلها أن ترسل إلي في ذلك ، قال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، وقبل ذلك ما قد بلغه من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه ، فقالت : ما دريته يريد هذا ، ثم أرسلت إليه ، فقالت : إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقي أبا طالب ، فقال له ذلك ، فقال : إن هذا الرزق ساقه الله إليك ، فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام ، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما الشام ، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من إلى ميسرة ، وكان يعرفه ، فقال : يا ميسرة ، من هذا الذي تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم ، فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم ، قال الراهب : هو هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركته حين يؤمر بالخروج ، فوعى ذلك ميسرة ، ثم حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوق بصرى ، فباع سلعته التي خرج بها واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة ، فقال له الرجل : احلف باللات والعزى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما حلفت بهذا قط ، وإني لأمر ، فأعرض عنهما ، فقال الرجل : القول قولك ، ثم قال لميسرة وخلا به : يا ميسرة ، هذا نبي ، والذي نفسي بيده إنه هو هو يجده أحبارنا منعوتا في كتبهم ، فوعى ذلك ميسرة ، ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان ميسرة يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتجارتها قد ربحت ضعف ما كانت من خروجه إلى الشام مع ميسرة بقصة نسطور ، والمرة الأولى مع أبي طالب بقصة بحيراء .

[ ص: 233 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية