الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
153 - أخبرنا سليمان بن إبراهيم في كتابه ، أنا شيخ لنا حدثنا فاروق ، ثنا زياد ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، ثنا محمد بن فليح ، ثنا موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : لما رجع فل المشركين إلى مكة ، وقد قتل الله منهم من قتل ، أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية الجمحي في الحجر ، فقال : صفوان قبح الله العيش بعد قتلى بدر ، قال : أجل ، والله ما في العيش خير بعدهم ، ولولا دين علي لا أجد قضاءه ، وعيال لا أدع لهم شيئا ، لخرجت إلى محمد ، فقتلته إن ملأت عيني منه ، فإن لي عنده علة أعتل بها أقول : قدمت على ابني هذا الأسير ، ففرح صفوان بقوله ، وقال : علي دينك ، وعيالك أسوة عيالي في النفقة لا يسعني شيء ، ويعجز عنهم ، فحمله صفوان وجهزه ، وأمر بسيف عمير فصقل ، وسم ، وقال عمير لصفوان : اكتمني أياما ، فأقبل عمير حتى قدم المدينة ، فنزل بباب المسجد ، وعقل راحلته ، وأخذ السيف ، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه عمر بن الخطاب ، وهو في نفر من الأنصار يتحدثون عن وقعة بدر ، ويذكرون نعمة الله فيها ، فلما رآه عمر معه السيف فزع ، فقال : عندكم الكلب ، فهذا عدو الله الذي حرش بيننا يوم بدر ، وحزرنا للقوم ، ثم قام عمر ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد متقلدا سيفا ، هو الغادر الفاجر يا رسول الله ، لا نأمنه على شيء ، قال : أدخله علي ، فخرج عمر ، فأمر أصحابه أن ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم احترسوا من عمير ، فأقبل عمر ، وعمير ، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع عمير سيفه ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : تأخر عنه ، فلما دنا منه عمير ، قال : انعموا صباحا ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله عن تحيتك ، وجعل تحيتنا تحية أهل الجنة ، وهي السلام ، فقال عمير : إن عهدك بها لحديث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أبدلنا الله بها خيرا منها ، فما أقدمك ياعمير ؟ قال : قدمت في أسيري عندكم ، ففادونا في أسيركم ، فإنكم العشيرة ، والأصل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال السيف في رقبتك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، فهل أغنت عنا من شيء ، إنما نسيته في رقبتي حين نزلت ، لعمري إن لي لهما غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصدقني ما أقدمك ؟ قال : قدمت في أسيري ، قال : فما الذي شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ، ففزع عمير ، وقال : ما شرطت له شيئا ، قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بنتك ، ويقضي دينك ، والله تعالى حائل بينك وبين ذلك ، قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، كنا [ ص: 141 ] يا رسول الله ، نكذبك بالوحي ، وبما يأتيك من السماء ، وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر ، لم يطلع عليه أحد غيره ، وغيري ، فأخبرك الله به ، فآمنت بالله ورسوله ، والحمد لله الذي ساقني هذا المساق ، ففرح المسلمون حين هداه الله ، وقال عمر : والذي نفسي بيده لخنزير كان أحب إلي من عمير حين طلع ، ولهو اليوم أحب إلي من بعض بني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس يا عمير نواسك ، وقال لأصحابه : علموا أخاكم القرآن ، وأطلق له أسيره ، فقال عمير : يا رسول الله ، قد كنت جاهدا ما استطعت في إطفاء نور الله ، فالحمد لله الذي ساقني ، وهداني من الهلكة ، فائذن لي يا رسول الله ، فألحق بقريش ، فأدعوهم إلى الله ، وإلى الإسلام ؛ لعل الله أن يهديهم ، ويستنقذهم من الهلكة ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلحق بمكة ، وجعل صفوان بن أمية يقول لقريش في مجالسهم : أبشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر ، وجعل يسأل عن كل راكب يقدم من المدينة : هل كان بها من حدث ، وكان يرجو ما قال له عمير ، حتى قدم عليهم رجل من المدينة ، فسأله صفوان عنه ، فقال : قد أسلم ، فلعنه المشركون ، وقالوا : صبأ ، فقال صفوان : لله علي أن لا أنفعه بنفع أبدا ، ولا أكلمه من رأسي كلمة أبدا ، فقدم عليهم عمير ، فدعاهم إلى الإسلام ، ونصحهم جهده ، فأسلم بشر كثير .

قال الإمام - رحمه الله - : قال أهل اللغة : الفل القوم المنهزمون ، وقوله عندكم الكلب إغراء أي احفظوا الكلب واجتنبوه ، وقوله من رأسي أي مما يستقبلني من الزمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية