الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
159 - قال الإمام - رحمه الله - : روي إسلام أبي ذر - رضي الله عنه - من وجوه ، منها رواية البصريين ، عن المثنى بن سعيد ، وقد روي من طريق الشاميين حدث به الطبراني ، قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو عبد الله القرشي الدمشقي ، ثنا محمد بن عائذ ، ثنا الوليد ين مسلم ، ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي ، قال : سمعت عروة بن رويم اللخمي يقول : حدثني عامر بن لدين قاضي الناس مع عبد الملك بن مروان ، قال : سمعت أبا ليلى الأشعري يقول : حدثني أبو ذر - رضي الله عنه - ، قال : إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوما عربا ، فأصابتنا السنة ، فاحتملت أمي ، وأخي - وكان اسمه أنيسا - إلى أصهار لنا بأعلى نجد ، فلما حللنا بهم أكرمونا ، فلما رأى ذلك الرجل من الحي مشى إلى خالي ، فقال : تعلم أن أنيسا يخالفك ، فقال : فحز في قلبه ، فانصرفت من رعية إبلي ، فوجدته كئيبا يبكي ، فقلت : ما أبكاك يا خال ؟ فأعلمني الخبر ، فقلت : حجز الله عن ذلك إنا نعاف الفاحشة ، وإن كان الزمان قد أخل بنا ، وقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به ، ولا سبيل إلى اجتماع ، واحتملت أمي ، وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة ، فقال أخي : إني مدافع رجلا على الماء بشعر ، وكان رجلا شاعرا ، فقلت : لا تفعل ، فخرج به اللجاج حتى دافع دريد بن الصمة صرمته إلى صرمته وايم الله لدريد يومئذ أشعر من أخي ، فتقاضيا إلى خنساء ، ففضلت أخي على دريد ، وذاك أن دريدا خطبها إلى أبيها ، فقالت : شيخ كبير لا حاجة لي فيه ، فحقدت ذلك عليه ، فضممنا صرمته إلى صرمتنا ، فكانت لنا هجمة ، ثم أتيت مكة ، وابتدأت بالصفا ، فإذا عليها رجالات قريش ، وقد بلغني أن بها صابئا ، أو مجنونا ، أو شاعرا ، أو ساحرا ، فقلت : أين هذا الذي يزعمونه ؟ قالوا : ها هو ذاك حيث ترى ، فانقلبت إليه ، فوالله ما جزت عنهم قيس حجر حتى أكبوا على كل عظم ، وحجر ، ومدر ، فضرجوني بدمي ، فأتيت البيت ، فدخلت بين الستور ، والبناء ، وبقيت فيه ثلاثين يوما لا آكل ، ولا أشرب إلا من ماء زمزم حتى إذا كانت ليلة قمراء أضحيان أقبلت امرأتان من خزاعة ، فطافتا بالبيت ، ثم ذكرتا إسافا ونائلة ، وهما وثنان كانوا يعبدونهما ، فأخرجت رأسي من تحت الستور ، فقلت : احملوا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ، [ ص: 147 ] ثم قالتا : أما والله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا ، ثم ولتا ، فخرجت أقفو آثارهما حتى لقيتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ما أنتما ، وما جاء بكما ، فأخبرتاه الخبر ، فقال : أين تركتما الصابئ ، فقالتا : تركناه بين الستور ، والبناء ، فقال لهما : هل قال لكما شيئا ؟ فقالتا : نعم ، كلمة تملأ الفم ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم انسلتا ، وأقبلت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سلمت عليه عند ذاك ، فقال : أين أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وما جاء بك ؟ فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : من أين كنت تأكل ، وتشرب ؟ فقلت : من ماء زمزم ، فقال : أما إنه طعام طعم ، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي أن أعشيه ، قال : نعم ، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي ، وأخذ أبو بكر بيده حتى وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بباب أبي بكر ، ثم دخل أبو بكر بيته ، ثم أتي بزبيب من زبيب الطائف ، فجعل يلقيه لنا قبضا قبضا ، ونحن نأكل منه حتى تملأنا منه ، قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا ذر ، فقلت : لبيك ، فقال : إنه قد رفعت لي أرض ، وهي ذات ماء لا أحسبها إلا تهامة ، فاخرج إلى قومك ، فادعهم إلى ما دخلت فيه ، قال : فخرجت حتى أتيت أمي ، وأخي ، فأعلمتهما الخبر ، فقالا : ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه ، فأسلما ، ثم خرجنا ، فأعلمت قومي ، فقالوا : إنا قد صدقناك ، ولكنا نلقى محمدا ، فلما قدم علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيناه ، فقالت له غفار : يا رسول الله ، إن أبا ذر أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا ، وشهدنا أنك رسول الله ، ثم تقدمت أسلم خزاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد رغبنا ، ودخلنا فيما دخل فيه إخواننا ، وحلفاؤنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها ، ثم أخذ أبو بكر - رضي الله عنه - بيدي ، قال : يا أبا ذر ، فقلت : لبيك يا أبا بكر ، فقال : هل كنت تأله في الجاهلية ؟ قلت : نعم ، لقد رأيتني أقوم عند الشمس ، فلا أزال مصليا حتى يؤذيني حرها ، فأخر كأني خفاء ، فقال لي : فأين كنت توجه ، قلت : لا أدري إلى حيث وجهني الله - عز وجل - حتى أدخل الله - عز وجل - علي الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية