الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
301 - قال ابن إسحاق : حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، وكان رجلا قد أدرك الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين ، فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب .

وقال أصحاب المبتدأ ، قال الله تعالى : يا ذا القرنين ، إني باعثك إلى أمم الأرض ، وهي أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها ، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن ، والإنس ، ويأجوج ، ومأجوج ، فأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأمة عند مغرب الشمس يقال لها : ناسك ، وأما الأخرى فعند مطلعها يقال لها : منسك ، وأما اللتان بينهما عرض الأرض ، فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها : هاويل ، والتي في قطر الأرض الأيسر يقال لها : تاويل ، فقال : يا رب ، بأي قوة أكابرهم ، وبأي جمع أكاثرهم ، وبأي حيلة أكايدهم ، فقال : التي بعد لك ظهرك ، فاسند لك ، وكفك ، وألبستك الهيبة ، فانطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس ، فلما بلغهم وجد جمعا ، وعددا لا يحصيه إلا الله تعالى ، ووجد ألسنة مختلفة ، فدعاهم إلى الله تعالى ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من صد عنه ، فجند من أهل المغرب أمما عظيمة ، ثم انطلق بهم يقودهم ، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن ، فانتهى إليهم ، فعمل فيهم كعمله في ناسك ، فلما فرغ منهم مضى على وجهه حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس ، فعمل فيها كعمله ، ثم سلك مقبلا ، وهو يريد تاويل ، فلما بلغها عمل فيها كعمله فيما قبلها ، فلما فرغ منها عطف إلى الأمم [ ص: 218 ] التي في وسط الأرض من الجن ، وسائر الإنس ، ويأجوج ، ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق ، قالت له أمة صالحة : يا ذا القرنين ، إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله يأكلون كل ذي روح مما خلق الله في الأرض ، وليس لله تعالى خلق ينمى نماءهم ، فإن كانت لهم مدة على ما ترى من نمائهم ، فلا شك أنهم سيملؤون الأرض ، ويجلون أهلها منها ، ويظهرون عليها ، فيفسدون فيها ، فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ، فأنشأ ذو القرنين في عمله ، فلما فرغ منه انطلق عامدا إلى جماعة الجن ، والإنس ، فبينا هو يسير دفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق ، وبه يعدلون منهم بيوتهم ، وليس على بيوتهم أبواب ، وليس عليهم أمراء ، وليس بينهم قضاة ، وليس فيهم أغنياء ، ولا ملوك ، فعجب ذو القرنين منهم ، وقال : أخبروني ما بال قبور موتاكم بأبواب بيوتكم ؟ قالوا : فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ، قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ قالوا : ليس فينا متهم ، قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء ؟ قالوا : لا نتظالم ، قال : فما بالكم ليس فيكم حكام ؟ قالوا : لا نختصم ، قال : ما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ قالوا : لا نتكاثر ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قال : لا نتكابر ، قال : فقال ذو القرنين : لو كنت مقيما لأقمت معكم ، ولكني لم أؤمر بالمقام .

قال ابن عباس - رضي الله عنه - ، قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأله عن هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه ، فنزلت ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) ، فقال : أوتينا علما كثيرا ، وأوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي علما كثيرا ، فأنزل الله - عز وجل - : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ) ، قال أهل التفسير : فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما جاءهم به من علم الغيوب حال الحسد بينهم وبين اتباعه ، وتصديقه ، فلجوا فيما هم فيه من الكفر ، وقالوا : ( لا تسمعوا لهذا القرآن ، والغوا فيه لعلكم تغلبون . )

التالي السابق


الخدمات العلمية