الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل :

80 - قال وحدثنا مسلم ، ثنا شيبان بن فروخ ، ثنا سليمان يعني ابن المغيرة ، ثنا ثابت ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غدا فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد قال أبو قتادة فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه قال فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته قال ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته قال فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته قال ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين حتى كاد ينجفل فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت ما زال هذا مسيري مذ الليلة قال حفظك الله بما حفظت به نبيه، ثم قال هل ترانا نخفى على الناس، ثم قال هل ترى من أحد قلت هذا راكب ركب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا وكنا سبعة ركب قال فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه، ثم قال احفظوا علينا صلاتنا فكان بأول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره قال فقمنا فزعين، ثم قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل فدعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء قال فتوضأ منها وضوءا دون وضوء قال وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه قال فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا، ثم قال أما لكم في أسوة، ثم قال إنه ليس في النوم تفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال ما ترون الناس صنعوا قال، ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون يا رسول الله هلكنا عطشا فقال لا هلك عليكم، ثم قال [ ص: 88 ] أطلقوا إلي غمري قال ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة تكابوا عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الملأ كلكم سيروى قال ففعلوا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي اشرب فقلت لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله قال إن ساقي القوم آخرهم قال فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتى الناس الماء جامين رواء قال فقال عبد الله بن رباح إني لأحدث الناس هذا الحديث في المسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين انظر أيها الفتى كيف تحدث فإني أحد الركب تلك الليلة قال قلت فأنت أعلم بالحديث فقال ممن أنت قلت من الأنصار قال حدث فأنت أعلم بحديثكم قال فحدثت القوم فقال عمران رضي الله عنه لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته .

قال الإمام شرح الألفاظ الغريبة في الحديث : قوله أزرتني بنصف خمارها أي جعلت نصف خمارها إزاري ، وردتني بنصفه أي جعلت نصفه رداءي يقال آزرته أي ألبسته الإزار فاتزر فلبس الإزار ، ورديته ألبسته الرداء فارتدى فلبس الرداء قال الشاعر :


ليس الجمال بميزر فاعلم وإن رديت بردا



وفي الخبر دليل أنهم كانوا في ضيق من العيش لم يكن لهم وسع حتى إن أم سليم جعلت خمارها إزاره ورداءه فغطته به غطت ببعضه عورته وببعضه جسده ، وقوله يتعادون بتشديد الدال من العدد أي يقرب عددهم مائة ، والخشف الصوت الخفي والخضخضة صوت الماء ، ومجاف أي مردود ، والدرع قميص المرأة وعجلت عن خمارها أي تركت خمارها فلم تلبسه استعجالا إلى فتح الباب ، وقوله يشغلهم القيام على أموالهم يعني على بساتينهم بساتين النخل ، والصفق البيع والتجارة ، وقوله ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني أي أقنع بما آكل عنده فلا أغيب عنه ولا أشتغل بالتجارة والزراعة ، وقوله اشدد وطأتك قال بعض العلماء يعني عقوبتك واستشهد بقول الشاعر :


ووطئتنا وطأ على حنق وطأ     المقيد نابت الهرم



قال أهل التاريخ كان الذي دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجاة كلهم من بني مخزوم الوليد [ ص: 89 ] ابن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام بن المغيرة وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة والمغيرة هو ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانوا قد حبسوا بمكة وعذبوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم فلما استجاب الله دعاءه فيهم وقدموا المدينة ترك الدعاء لهم قال بعض العلماء يستحب الدعاء في القنوت على الكفار فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم .

وأما في حديث أبي قتادة لا يلوي أحد على أحد لا يقيم عليه ولا يلتفت إليه قال عز وجل ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ) وقوله ابهار الليل أي انتصف الليل وبهرة كل شيء وسطه ، وقوله فدعمته أي جعلت يدي دعامة له لئلا يسقط عن راحلته ، وتهور الليل أي أدبر أكثره ، قال أهل اللغة تهور البناء إذا سقط ، وقوله ينجفل أي ينقلب وروى أن البحر جفل سمكا أي ألقاه ورمى به قال ابن شميل جفلت المتاع أي رميت بعضه على بعض ، وقوله أحسنوا ملا أي خلقا ، قال الشاعر :

فقلنا أحسني ملا جهينا ،

وركب جمع راكب كصحب وصاحب ، وقوله وضوءا دون وضوء أي وضوءا خفيفا ، والميضأة ما يتوضأ منه كالإداوة ونحوها ، والتفريط التقصير ، لا هلك عليكم أي لا بأس عليكم من الهلاك ، الغمر القدح الصغير ، جامين بتشديد الميم وانتصابه على الحال من الجمام وهو الراحة ، رواء: جمع ريان كغضبان وغضاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية