الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
14 - ( 271 ) : حدثنا محمد بن منصور الجواز ، أبو عبد الله ، قال : ثنا يعقوب بن محمد [ ص: 461 ] بن عيسى الزهري ، قال : ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ، ثم السمعي ، عن دلهم بن الأسود ، بن عبد الله عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر ، أنه خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 462 ] ومعه (نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق) قال : فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب ، فصلينا معه صلاة الغداة ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبا فقال : " أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام إلا لأسمعكم ، فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا : اعلم ، اعلم لنا ، ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟

لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو تلهيه الضلالة ، ألا إني مسئول هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيسوا ، ألا اجلسوا ألا اجلسوا فجلس الناس ، وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت : (إني سائلك عن حاجتي ، فلا تعجلن علي ، قال : سل عن ما شئت) ، قلت : يا رسول الله ، هل عندك من علم الغيب ؟

فضحك لعمر الله وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي تسقطه .

فقال : ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ، وأشار بيده .

فقلت : ما هن يا رسول الله ؟

قال : علم المنية ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم يوم الغيث .


يشرف عليكم أزلين مشفقين فيظل يضحك ، قد علم أن غوثكم قريب . قال لقيط : فقلت - : يا رسول الله لن نعدم من رب يضحك خيرا يا رسول الله .

قال : وعلم ما في غد ، قد علم ما أنت طاعم ، غدا ، ولا تعلمه .

[ ص: 463 ] وعلم يوم الساعة .

قال : وأحسبه ذكر ما في الأرحام .

قال : قلت : يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم ، فأنا من قبيل لا يصدقون ، تصديقنا أحد من مذحج ، التي تدنو إلينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها .

قال : تلبثون ما لبثتم (ثم يتوفى نبيكم) صلى الله عليه وسلم ، [ثم] ، تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصيحة ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك .

فخلت الأرض ، فأرسلت السماء بهضيب من تحت العرش ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه فيستوي جالسا .

[ ص: 464 ] يقول ربك مهيم ، (لما كان منه) .

يقول : يا رب أمس اليوم ، لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله .

قلت : يا رسول الله : كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟

قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله .

الأرض أشرفت عليها مدرة بالية ، فقلت : لا تحيا أبدا .

فأرسل ربك عليها السماء . . . .

فلم تلبث عنها إلا أياما حتى أشرفت عليها ، فإذا هي شربة واحدة .

ولعمر إلهك : لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض . فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم ، فتنظرون إليه وينظر إليكم .

[ ص: 465 ] قال : قلت : يا رسول الله : كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر إلينا ؟ قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر : آية منه ، صغيرة ترونهما في ساعة واحدة ، وتريانكم ، لا تضامون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك : لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يريانكم وترونهما .

قلت : يا رسول الله : فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟

قال : تعرضون عليه ، بادية له صفحاتكم ، لا تخفى عليه منكم خافية .

فيأخذ ربك (عز وجل) بيده غرفة من الماء ، فينضح بها قبلكم ، فلعمر إلهك ، ما تخطئ وجه واحد منكم منها قطرة .

وأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء .

وأما الكافر : فتضمخه بمثل الحمم الأسود .


ألا ثم ينصرف نبيكم - صلى الله عليه وسلم ، ويفرق على أثره الصالحون ، أو قال : [ ص: 466 ] ينصرف على أثره الصالحون ، قال : فيسلكون جسرا من النار ، يطأ أحدكم الجمرة فيقول : حس .

فيقول ربك : أو أنه قال : فتطلعون على حوض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أظمأ ناهله ، والله ما رأيتها قط .

فلعمر إلهك : ما يبسط (يده) أو قال : يسقط واحد منكم إلا وقع عليها ، قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتخلص الشمس والقمر أو قال : تحبس الشمس والقمر ، فلا ترون منهما واحدا .

فقلت يا رسول الله : فبم نبصر يومئذ ؟ قال : بمثل بصرك ساعتك هذه .

[ ص: 467 ] وذلك في يوم أشرقت الأرض وواجهت الجبال ، قال : قلت يا رسول الله : فبم نجازى من سيئاتنا وحسناتنا ؟

قال - صلى الله عليه وسلم - : الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها أو يعفو .

قلت : يا رسول الله : فما الجنة وما النار ؟

قال : لعمر إلهك ، إن للجنة لثمانية أبواب ، ما منهم بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما .

وإن للنار سبعة أبواب ، ما منهن بابان إلا بينهما مسيرة الراكب سبعين عاما .


قلت : يا رسول الله : ما يطلع من الجنة ؟ قال : أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من كأس ما لها صداع ، ولا ندامة ، وماء غير آسن ، وفاكهة .

ولعمر إلهك ، ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة .

قلت : يا رسول الله : أو لنا أزواج منهم أو منهن مصلحات .

[ ص: 468 ] قال : الصالحات للصالحين ، تلذونهم مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذنكم غير أن لا توالد .

قلت : يا رسول الله : هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟

(قال : فلم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .

قلت : يا رسول الله ، علام أبايعك ؟ قال : فبسط النبي يده . فقال : على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشركين .

إن الله لا يغفر أن يشرك به إلها غيره .

فقلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ، فقبض (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده) ، وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينه .

فقلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجن على امرئ إلا نفسه .

قال : ذلك لك ، حل منها حيث شئت ، ولا يجن عليك إلا نفسك .

فبايعناه : ثم انصرفنا .

[ ص: 469 ] فقال : ها إن ذين ، ها إن ذين ، ها إن ذين ، ثلاثا لمن يقرئني حديثا . لأنهم من أتقى الناس لله في الأول ، والآخر .

فقال كعب بن الخدارية : - أحد بني بكر بن كلاب - من هم يا رسول الله ؟

فقال : بنو المنتفق ، أهل ذلك منهم ، قال : فأقبلت عليه .

فقلت : يا رسول الله : هل لأحد ممن مضى منا في جاهليته من خير ؟ فقال : رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق في النار .

قال : فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس . فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ، ثم نظرت : فإذا الأخرى أجمل : فقلت : وأهلك يا رسول الله . قال : وأهلي .

لعمر الله ، حيث ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل : [ ص: 470 ] أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك ، تجر على بطنك ووجهك في النار .

قال : فقلت : فما فعل ذلك بهم يا رسول الله وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ؟ وكانوا يحسبونهم مصلحين ؟

قال : ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا ، فمن أطاع نبيه كان من المهتدين ومن عصى نبيه كان من الضالين .


قال أبو بكر : محمد بن إسحاق : معنى قوله : (غير أن لا توالد) : أي : لا يشتهون الولد . لأن في خبر أبي بكر الصديق الناجي ، عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا اشتهى أحدكم الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة " .

[ ص: 471 ] [ ص: 472 ] [ ص: 473 ] [ ص: 474 ] [ ص: 475 ] [ ص: 476 ] والله عز وجل قد أعلم أن لأهل الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ومحال أن يشتهي المشتهي في الجنة ولدا فلا يعطى شهوته والله لا يخلف الوعد .

والأولاد في الدنيا : قد يكون على غير شهوة الوالدين . فأما في الجنة : فلا يكون لأحد منهم ولد إلا أن يشتهي فيعطى شهوته على ما قد وعد ربنا أن لهم فيها ما تشتهي أنفسهم .

[ ص: 477 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية