الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10 - ( 458 ) : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : (يلقى الناس يوم القيامة من الحبس ما شاء الله أن يلقوه ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم ، فينطلقون إلى آدم ، فيقولون : يا آدم اشفع لنا إلى [ ص: 717 ] ربك ، فيقول : لست هناك ، ولكن انطلقوا إلى خليل الله إبراهيم ، فينطلقون إلى إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربك ، فيقول : لست هناك ، ولكن انطلقوا إلى من اصطفاه الله برسالاته ، فينطلقون إلى موسى ، فيقولون : يا موسى اشفع لنا إلى ربك ، فيقول : لست هناك ، ولكن انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورا له ، ليس عليه ذنب ، فينطلقون إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : يا محمد اشفع لنا إلى ربك فيقول : أنا لها ، وأنا صاحبها ، قال : فأنطلق حتى استفتح باب الجنة ، قال : فيفتح ، فأدخل ، وربي عز وجل على عرشه فأخر ساجدا ، وأحمده بمحامد ، لم يحمده بها أحد قبلي ، وأحسبه قال : ولا أحد بعدي ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل ، يسمع ، وسل ، تعطه ، واشفع تشفع فأقول : يا رب ، يا رب ، فيقول : أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان ، قال : فأخر ساجدا ، وأحمده بمحامد ، لم يحمده بها أحد قبلي وأحسبه قال : ولا أحد بعدي ، فيقال يا محمد ارفع رأسك ، وقل ، يسمع ، وسل ، تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ، يا رب فيقول : أخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان قال : فأخر له ساجدا ، وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ، وأحسبه قال : ولا أحد بعدي ، فيقال يا محمد ارفع رأسك ، وقل ، يسمع ، وسل ، تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ، فيقول : أخرج من كان في قلبة أدنى شيء ، فيخرج ناس من النار ، يقال لهم الجهنميون ، وإنه لفي الجنة) فقال له رجل : يا أبا حمزة أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فتغير وجهه ، واشتد عليه وقال : ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا .

قال أبو بكر : ليس في الخبر ذكر عيسى عليه السلام .

[ ص: 718 ] قال أبو بكر : لعله يخطر ببال من يسمع هذه الأخبار فيتوهم أن هذه اللفظة ، (ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، في عقب هذا الخبر ، خلاف خبر معبد بن هلال الذي قال فيه : حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وخلاف خبر عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كذلك هو عندنا بحمد الله ونعمته ، لأن في خبر عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس حين ذكر سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكر في أول الخبر إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمته ، فذكر في الخبر كلاما ، ليس في رواية حميد ، عن أنس ، وكذلك في خبر معبد بن هلال ، إذا كان يوم القيامة ، ماج الناس بعضهم في بعض ، فالتأليف بين هذه الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بعض أصحابه - أنس فيهم - فسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعض الخبر ، واستثبت في باقي الخبر ، واستفهمه ممن كان أقرب من النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ، وأكبر منه سنا ، وأحفظ وأوعى للحديث منه ، فروى الحديث بطوله ، قد سمع بعضه ، وشهد المجلس الذي حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، فحدث بالحديث بتمامه ، سمع بعضه من النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه ممن حفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ووعاه عنه كما يقول بعض رواة الحديث : حدثني فلان ، واستثبته من فلان ، يريد خفي علي بعض الكلام ، فثبتني فلان لأن قول من استفهم أنسا : أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ظاهره يدل على أن المستفهم إنما استفهمه أسمعت جميع هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأجاب أنس : ليس كل ما نحدث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظاهر هذه اللفظة ، أنه ليس كل هذا الحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل أنس : لم أسمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال غيره في أول الخبر : سمعت رسول [ ص: 719 ] الله صلى الله عليه وسلم ، لكان هذا كلاما صحيحا جائزا ، إذ غير جائز في اللغة أن يقول القائل سمعت من فلان قراءة سورة البقرة ، وقد سمع قراءته لبعضها ، وكذلك جائز أن يقول القائل سمعت من فلان قراءة سورة البقرة ، وإنما سمع بعضها لا كلها على ما قد أعلمت من مواضع من كتبنا أن الاسم قد يقع على الأشياء ذي الأجزاء أو الشعب على بعض الشيء دون بعض ، كذلك اسم الحديث قد يقع على بعض الحديث كما يقع الاسم على الكل ، فافهموه ، لا تغالطوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية