الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
51 - ( 315 ) : كذاك حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : ثنا عبد الله بن وهب ، قال : ثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد [ ص: 522 ] [ ص: 523 ] [ ص: 524 ] [ ص: 525 ] الكعبة ، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه ، وهو قائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : هو هو ، فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم فكانت (الليلة) فلم يرهم ، حتى جاؤوا ليلة أخرى ، فيما يرى قلبه [ ص: 526 ] والنبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل - عليه السلام - ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته (حتى فرج من صدره وجوفه ، وغسله من ماء زمزم بيده) ، حتى ألقى جوفه ، ثم جاءه بطست من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا (به) جوفه وصدره ، ولغاديده ، ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا ، فضرب بابا من أبوابها ، فناداه أهل السماء من هذا ؟ قال : هذا جبريل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : فمرحبا وأهلا يستبشر به أهل السماء الدنيا ، لا يعلم أهل السماء ما يريد الله (به) في الأرض ، حتى يعلمهم .

فوجد في السماء الدنيا آدم ، فقال له جبريل عليه السلام : هذا أبوك ، فسلم عليه (فسلم عليه) ، فرد عليه ، وقال : مرحبا وأهلا بابني ، فنعم الابن أنت ، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال : هذا النيل والفرات عنصرهما قال : ثم مضى به في السماء ، فإذا هو بنهر آخر ، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك ، قال : يا جبريل : ما هذا النهر ؟ قال : هذا الكوثر ، الذي خبأ لك ربك ، ثم عرج به إلى السماء الثانية ، [ ص: 527 ] فقالت الملائكة (له) مثل ما قالت له الأولى ، من هذا معك ؟ قال : محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا : وقد بعث (إليه) قال : نعم ، قالوا : مرحبا به وأهلا ، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له (مثل) ما قالت الأولى والثانية ، ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السماء الخامسة ، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السماء السادسة ، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السماء السابعة ، فقالوا له مثل ذلك ، وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم ، فوعيت منهم : إدريس في الثانية ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم في السادسة ، وموسى في السابعة ، بفضل كلام الله ، فقال موسى : لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به فيما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء به سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العرش ، فتدلى حتى كان معه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى (الله) إليه ما أوحى ، فأوحى إليه فيما أوحى : خمسين صلاة على أمته ، في كل يوم وليلة ، ثم هبط (به) حتى بلغ موسى ، فاحتبسه (موسى) ، فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة ، قال : إن أمتك لا تستطيع (ذلك) ، ارجع ، فليخفف عنك (ربك) وعنهم ، فالتفت إلى جبريل (عليه السلام) كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه (جبريل) أن نعم ، إن شئت ، فعلا به جبريل ، حتى أتي إلى الجبار - وهو مكانه - فقال : يا رب خفف ، فإن أمتي لا تستطيع هذا ، فوضع عنه عشر صلوات ، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه عند الخامسة ، فقال : [ ص: 528 ] يا محمد ، قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس ، فضيعوه ، وتركوه وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا ، وأبصارا ، وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت إلى جبريل ليشير عليه ، فلا يكره ذلك جبريل ، فرفعه فرجعه عند الخامسة ، فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء ضعاف أجسادهم وقلوبهم ، وأبصارهم وأسماعهم ، فخفف عنا فقال الجبار : يا محمد قال : لبيك وسعديك ، فقال : إنه لا يبدل القول لدى ، وهي خمس عليك ، فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشرة أمثالها ، قال : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه فتركوه ، فارجع فليخفف عنك أيضا قال : قد والله استحييت من ربي ، عز وجل ، مما أختلف إليه ، قال فاهبط باسم الله ، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام " .


[ ص: 529 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية