الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            16 - باب حيض المرأة واستحاضتها وغسلها / 50 قال الله عز وجل ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله .

                                                            154 - قال الشافعي رضي الله عنه : فأبان أنها حائض غير طاهر وأمرنا أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ولا إذا تطهرت حتى تطهر بالماء . وكانت الآية محتملة لما قال بعض أهل العلم بالقرآن أن اعتزالهن يعني في موضع الحيض ، ومحتملة اعتزال جميع أبدانهن . فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على [ ص: 70 ] اعتزال ما تحت الإزار وإباحة ما فوقها .

                                                            155 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو الحسن علي بن محمد السبيعي ، وأبو عبد الله إسحاق بن محمد السوسي ، وأبو صادق بن أبي الفوارس ، قالوا : أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ، حدثنا أسباط بن محمد القرشي ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن عبد الله بن شداد ، عن ميمونة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض " .

                                                            156 - وروينا عن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحل من امرأتي وهي حائض ؟ قال : " لك ما فوق الإزار " .

                                                            [ ص: 71 ]

                                                            157 - وحديث ابن عباس ، في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار ، مشكوك في رفعه . والله أعلم .

                                                            158 - قال الشافعي رحمه الله : لو كان ثابتا أخذنا به . وكان الشافعي يذهب إلى أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما . وهو قول عطاء بن أبي رباح . فإن زاد الدم على خمسة عشر يوما كانت مستحاضة فيرد إلى التمييز ، إن تميز دم الاستحاضة عن دم الحيض فيما زاد على يوم وليلة إلى خمسة عشر يوما وإن لم يتميز فإلى عادتها فيما خلا من أيامها فإن كانت مبتدأة فإلى أقل الحيض في أحد القولين وإلى عادة نسائها في القول الآخر . وأقل الطهر خمسة عشر يوما ولا غاية لأكثره " [ ص: 72 ] .

                                                            159 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق ، قالا : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، أخبرنا جعفر بن عون ، أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني امرأة أستحاض فلا أطهر فأدع الصلاة . قال : " لا . إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " .

                                                            160 - وفي رواية الزهري عن عروة في هذا الحديث : " إن دم الحيض أسود يعرف ؛ فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ، فإنما هو عرق " .

                                                            161 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو الطاهر الفقيه ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق وغيرهم ، قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر ، عن أبيه ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : إن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدم ، فقال لها : " أمسكي قدر ما كان تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة .

                                                            162 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا ابن ملحان ، حدثنا يحيى بن بكير ، قال : قال الليث بن سعد : لم يذكر ابن شهاب [ ص: 73 ] عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة ، ولكنه شيء فعلته " .

                                                            163 - قلت : وهكذا قال الشافعي . " ويكفيها غسل واحد عند ذهاب قدر حيضتها ، ثم تتوضأ لكل صلاة وتصوم وتصلي " .

                                                            164 - وهكذا روي عن عدي بن ثابت عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                            165 - وعن أبيه عن علي مثله .

                                                            166 - وكذلك رويناه عن عائشة . وأما الحديث الذي يرويه أصحابنا في المبتدأة فالظاهر من الحديث أنه أيضا في المعتادة وعلى هذا حمله الشافعي ونحن نرويه .

                                                            167 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عمه عمران بن طلحة ، عن أمه حمنة بنت جحش ، قالت : كنت أستحيض حيضة كثيرة شديدة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره ، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش ، فقلت : يا رسول الله ! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها ! قد منعتني الصلاة والصوم . قال : " أنعت لك الكرسف ؛ فإنه يذهب الدم " . قالت : هو أكثر من ذلك قال : " فاتخذي ثوبا " . قالت : هو أكثر من ذلك . إنما أثج ثجا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله عز وجل ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت [ ص: 74 ] وامتنعت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين فتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر ، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء وتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وهذا أعجب الأمرين إلي " .

                                                            168 - قلت : وهذا الحديث مثل حديث أم سلمة في المرأة التي استفتت لها أم سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك ، فلتغتسل ولتستثفر بثوب ثم لتصلي " . وفي حديث حمنة زيادة استحباب لزيادة الغسل وبيان جواز الأمر الأول وبالله التوفيق .

                                                            [ ص: 75 ] [ ص: 76 ]

                                                            169 - وأكثر النفاس ستون يوما . وهو قول عطاء ، والشعبي . وغالبه أربعون يوما في حديث أم سلمة ، قالت : كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين ليلة وإليه ذهب ابن عباس في أكثر النفاس [ ص: 77 ] وغسل المرأة من حيضتها ونفاسها كغسلها من الجنابة إلا أنه يستحب لها أن تستعمل في غسلها من الحيض ما :

                                                            170 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف ، حدثنا أبو سعيد الأعرابي ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور بن صفية عن أمه ، عن عائشة : أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض ؟ فأمرها كيف تغتسل ، قال : " خذي فرصة من مسك فتطهري بها " . قالت : كيف أتطهر بها ؟ قال : " تطهري بها " ! قالت : " كيف أتطهر بها ؟ قالت : فاستتر مني هكذا وقال : " سبحان الله تطهري بها " ! قالت عائشة : فاجتذبتها إلي فقلت تتبعين بها أثر الدم .

                                                            * * *

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية