الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 312 - 313 ] ثم مدعى عليه ترجح قوله بمعهود ، أو أصل بجوابه ، [ ص: 314 ] إن خالطه بدين ، أو تكرر بيع ، [ ص: 315 - 316 ] وإن بشهادة امرأة ، لا بينة جرحت

التالي السابق


( ثم ) أمر القاضي شخصا ( مدعى عليه ) وكشف حقيقته بنعته بقوله ( ترجح ) بفتحات مثقلا . أي تقوى ( قوله ب ) موافقة شيء ( معهود ) أي معروف بين الناس . ابن فرحون المعهود الجاري بين الناس ( أو ) ترجح قوله بموافقة ( أصل ) ابن فرحون أي حال مستصحب . الحط المعهود هو شهادة العرف ونحوه والأصل استصحاب الحال قاله ابن عبد السلام ، وصلة أمر ( بجوابه ) أي المدعي . ابن عرفة إذا ذكر المدعي دعواه فمقتضى المذهب أمر القاضي الخصم بجوابه إذا استحقت الدعوى جوابا ، وإلا فلا ، كقول المدعي هذا أخبرني البارحة أنه رأى هلال الشهر أو سمع من يعرف بلقطة ولا [ ص: 314 ] يتوقف أمره بالجواب على طلب المدعي ذلك لوضوح دلالة حال التداعي عليه .

وقال المازري إن لم يكن من المدعي أكثر من الدعوى كأن يقول للقاضي لي عند هذا ألف درهم فللشافعية في أحد الوجهين أنه ليس للقاضي طلب المدعى عليه بجواب لعدم تصريح المدعي بذلك ، وذكر أن أخوين بالبصرة كانا يتوكلان على أبواب القضاة ، وكان لهما فقه ، فلما ولي عيسى بن أبان قضاء البصرة وهو ممن عاصر الشافعي رضي الله عنه أراد الأخوان أن يعلماه مكانهما من العلم فأتياه ، فقال له أحدهما لي عند هذا كذا وكذا ، فقال عيسى للآخر أجبه فقال المدعى عليه ومن أذن لك أن تستدعي جوابي وقال المدعي لم آذن لك في ذلك فوجم عيسى بن أبان فقالا له إنما أردنا أن نعلمك مكاننا من العلم وعرفاه بأنفسهما وهي مناقشة لا طائل تحتها لأن الحال شاهدة بذلك وهو ظاهر مذهب العلماء . ابن عرفة وظاهره إيجاب جوابه بمجرد قوله لي عنده كذا وليس كذلك ، بل لا بد من بيان السبب من سلف أو معاوضة أو بت عطية من مال أجنبي .

وذكر شرط أمر المدعى عليه بالجواب فقال ( إن خالطه ) أي المدعي المدعى عليه ( بدين ) من قرض أو بيع بثمن مؤجل ولو مرة ( أو ) خالطه ب ( تكرر بيع ) بثمن حال . " ق " اللخمي من ادعى قبل رجل دعوى فأنكره فلا يحلفه بمجرد الدعوى إلا بما ينضاف إليها من خلطة أو شبهة أو دليل ، وذلك يختلف باختلاف المدعى فيه . الباجي الدعاوى التي تعتبر فيها الخلطة هي المداينة ، فمن ادعى ثوبا بيد إنسان أنه له فأنكره فاليمين على المدعى عليه . ابن زرقون لأنها في دعوى معين . وقيل لا يحلف في دعوى المعين إلا بلطخ أو شبهة . المازري قال المتقدمون كابن القاسم الخلطة أن يبايع إنسان إنسانا بالدين مرة واحدة أو بالنقد مرارا . تت هذا ظاهر كلام البساطي وهو منصوص .

ابن القاسم وتعقبه الشارح بأن الذي ذكره الأشياخ أن الخلطة في توجه اليمين لا في الدعوى والأمر في ذلك قريب . ا هـ . وما ذكره من أن الخلط شرط في توجه اليمين عليه [ ص: 315 ] جماعة . وقال ابن زرقون عن ابن نافع لا تعتبر الخلطة وهو الذي عليه عمل القضاة بمصر . ابن عرفة وعليه عمل القضاة عندنا . " غ " في بعض النسخ إن خالطه بأداة الشرط ، وفي بعضها وخالطه بالعطف على ترجح ولا يخفاك ما فيهما معا من القلق ، فإن الخلط شرط في توجه اليمين لا في الأمر بالجواب ، ولا في سماع الدعوى ، وتكليف البينة كما تعطيه عبارتاه .

ابن عرفة قطع ابن رشد في سماع أصبغ أن مذهب مالك رضي الله عنه وكافة أصحابه الحكم بالخلطة ، ومثله لابن حارث ونقل ابن زرقون عن ابن نافع لا تعتبر الخلطة . ابن عرفة ومضى عمل القضاة عندنا عليه ، ونقل لي شيخنا ابن عبد السلام عن بعض القضاة أنه كان لا يحكم بها إلا إن طلبها منه المدعى عليه ، والعجب من ابن عرفة حيث أغفل تمام كلام ابن رشد في السماع المذكور ، ونصه وفي المبسوطة لابن نافع أنه قال لا أدري ما الخلطة ولا أراها ولا أقول بها وأرى الأيمان واجبة على المسلمين عامة بعضهم على بعض ، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم { البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } ، وأغفل أيضا قول المتيطي آخر الحمالة والرهون ، وقال محمد بن عبد الحكم تجب اليمين على المدعى عليه دون خلطة ، وبه أخذ ابن لبابة وغيره . وقال ابن الهندي إن بعض من يقتدى به يتوسط في مثل هذا إذا ادعى قوم على أشكالهم بما يوجب اليمين أوجبها دون إثبات الخلطة ، وإن ادعى على الرجل العدل من ليس من شكله فلا يوجب عليه اليمين إلا بإثبات الخلطة .

وقال أبو الحسن هذه من المسائل التي خالف فيها الأندلسيون مذهب الإمام مالك رضي الله عنه لأنهم لا يعتبرون خلطة ، ويوجبون اليمين بمجرد الدعوى وعليه العمل اليوم . ا هـ . وقبله العبدوسي البناني صواب هذا التأخير عن قوله فإن نفاها واستحلفه إلخ ، ولعل تقديمه من مخرج مبيضته والعمل جرى بثبوت اليمين ولو لم يثبت خلطة قاله أبو الحسن وابن عرفة وغيرهما . [ ص: 316 ]

( و ) تثبت الخلطة بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، بل و ( إن بشهادة امرأة ) واحدة عند ابن القاسم . ابن المواز إن أقام المدعي شاهدا بالخلطة حلف المدعى عليها وتثبت الخلطة ثم يحلف المدعى عليه ، وقال ابن كنانة شهادة امرأة واحدة توجب اليمين أنه خالطه . وفي المفيد لا تثبت الخلطة إلا بشاهدين عدلين ، ولا تثبت باليمين مع الشاهد . البناني ليس في المذهب مسألة يحكم فيها بشهادة امرأة إلا هذه قاله المسناوي

( لا ) تثبت الخلطة ( ب ) شهادة ( بينة ) بحق مدعى به أنكره المدعى عليه ( جرحت ) بضم فكسر مثقلا من المدعى عليه بعد شهادتها عليه والإعذار له فيها بعداوة له أو غيرها ، فلا تثبت الخلطة بينهما بشهادتها التي سقطت بالتجريح ، فلا يحلف المدعى عليه ، فإن ادعى المدعي على المدعى عليه بحق آخر فأنكره المدعى عليه فلا تثبت الخلطة بينهما الموجبة لتحليفه بالشهادة الأولى التي سقطت بالتجريح .

" ق " روى ابن القاسم عن مالك رضي الله عنه فيمن أقام شهودا عدولا على رجل بحق فأقام الرجل بينة أنهم معادون له فسقطت شهادتهم فهم كمن لم يشهدوا وكأنه رأى أن لا يحلف ، وكذلك عنه في العتبية . " غ " هو مثل قول المتيطي وإن كان الطالب أقام بينة بالدين فسقطت بوجه مما تسقط به الشهادة أو جرحها المطلوب فليس ذلك بخلطة توجب اليمين عليه قاله مالك وابن القاسم وسحنون رضي الله عنه . وقال بعض العلماء إن ذلك خلطة توجب اليمين عليه ، وكذلك إن ترافعا بعد ذلك في حق آخر فقضى بينهما فليس ذلك بخلطة .




الخدمات العلمية