الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 480 ] ووقف [ ص: 481 ] وموت ببعد إن طال الزمان ، بلا ريبة .

التالي السابق


( و ) تجوز شهادة السماع ب ( وقف ) على حائزه أو لا يد عليه لأحد فتشهد بينة بالسماع بأنه حبس على حائزه أو على بني فلان أو لله ما بقيت الدنيا . أبو إسحاق هذا الذي تصح فيه شهادة السماع . الحط ولا يشترط فيها تسمية المحبس ولا إثبات ملكه بخلاف شهادتهما على الحبس بالقطع فإنه لا يثبت الحبس حتى يشهدوا بالملك للمحبس قاله في التوضيح . ابن سهل كيفية الشهادة بالسماع في الأحباس أن يشهد الشاهد أنه يعرف الدار التي بموضع كذا وحدها كذا ، وأنه لم يسمع منذ أربعين سنة أو عشرين عاما متقدمة التاريخ شهادته هذه سماعا فاشيا مستفيضا من أهل العدل وغيرهم أن هذه الدار أو هذا الملك حبس على مسجد كذا أو على المرضى بحاضرة كذا أو على فلان وعقبه أو حبس لا غير ، وأنها محترمة بحرمة الأحباس وتحوزتها بالوقف إليها والتبيين لها ، بهذا جرى العمل في أداء هذه الشهادة ، فإذا أديت هكذا بشاهدين فصاعدا حكم بها بعد حيازة الشهود بتحبيسه ، والإعذار إلى من يعترض فيه ويدعيه في سماع عيسى ابن القاسم ، إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس جازت شهادتهما وكانت حبسا على المساكين إذا لم يسم أحدا . الحط استفيد من هذا أن مصارف الحبس وشرط الواقف تثبت بشهادة السماع ، ونص على هذا في كتاب الشهادات من المدونة قال سئل مالك رضي الله تعالى عنه عن قوم شهدوا بالسماع في حبس على قوم أنهم يعرفون أن من مات منهم لا تدخل زوجته في نصيبه ، وتهلك بنت الميت فلا يدخل فيه ولدها ولا زوجها فقال أراه حبسا ثابتا ، وإن لم يشهدوا على أصل الحبس ولم يذكروا ذلك كله وذكروا في السماع ما يستدل به فذلك جائز ا هـ .

[ ص: 481 ] و ) تجوز ب ( موت ببعد ) بضم الموحدة ، أي بلد بعيد ( إن طال الزمان ) على السماع سواء كان بموت أو غيره . ابن القاسم أربعون سنة أو خمسون سنة . ابن زرقون هو ظاهر المدونة وعنه أيضا عشرون سنة . ابن رشد وبه العمل بقرطبة ، وهل خمس عشرة طول أو لا ؟ قولان والصحيح في خمس عشرة الفرق بين الوباء وغيره ( بلا ريبة ) فإن كان فيه ريبة بأن شهد بالسماع اثنان وفي القبيلة مائة من ذوي أسنانهما لم يسمعوا ذلك ، أو شهدا بموت شخص ببلد وفيه جم غفير لم يسمعوا ذلك فلا يقبلان . " غ " قوله إن طال الزمان بلا ريبة تبع فيه قول ابن الحاجب ، وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات في الملك والوقف والموت للضرورة بشرط طول الزمان وانتفاء الريب . ابن عرفة حمله ابن عبد السلام على إطلاقه ، وليس على إطلاقه ، إنما هو في الملك والوقف والصدقة والأشربة القديمة والنكاح والولاء والنسب والحيازة جميع ذلك يشترط فيه طول الزمان .

وأما الموت فمقتضى الروايات والأقوال أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البت في القطع بالمشهود به يشترط كون المشهود به بحيث لا يدرك بالقطع والبت عادة ، فإن أمكن عادة البت به فلا يجوز فيه شهادة السماع ، وهو مقتضى قول الباجي . أما الموت فيشهد فيه على السماع فيما بعد من البلاد ، وأما ما قرب أو كان ببلد الموت فإنما هي شهادة بالبت وقد شهدت شيخنا القاضي ابن عبد السلام وقد طلب منه بتونس بعض أهلها إثبات وفاة صهر له مات ببرقة قافلا من الحج ، فأذن له فأتاه بوثيقة بشهادة شهود على سماع بوفاته على ما يجب كتبه في شهادة السماع ، وكان ذلك بعد مدة يتصور فيها بت العلم بوفاته نحو ثمانية أعوام في ظني ، فرد ذلك ولم يقبله ، ولما حكى قول الباجي فيشهد على الموت بالسماع فيما بعد من البلاد لا ما قرب قيده بأن قال بشرط أن لا يطول زمن تقدم الموت كالعشرين عاما ، فإن هذا لا يقبل فيه إلا البت قاله بعض من لقيت وهو صواب ; لأنه مظنة البت كمن يموت ببلد قريب . البناني نحوه لابن الحاجب فحمله ابن عبد السلام على ظاهر إطلاقه ، وتبعه في ضيح ، [ ص: 482 ] واعترضه ابن هارون بأن طول الزمن ليس في جميع الأفراد ، بل في الأملاك والأشربة والأحباس والأنكحة والصدقة والولاء والنسب والحيازة . وأما الموت فيشترط تنائي البلدان أو طول الزمان واعتمد ابن عرفة كلام ابن هارون في حصره ، وتبعه " غ " واختار ابن عرفة في الموت بعد البلد وقرب الزمن قائلا إذا بعد الزمن أمكن بت الشهادة بفشو الإخبار فلا تجوز شهادة السماع كقرب البلد واتحاده ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية