الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 363 ] وأنهى لغيره بمشافهة ، إن كان كل بولايته ، [ ص: 364 ] وبشاهدين مطلقا . [ ص: 365 - 366 ] واعتمد عليهما ، وإن خالفا كتابه . وندب ختمه ، ولم يفد وحده ، [ ص: 367 - 368 ] وأديا ، وإن عند غيره ، وأفاد إن أشهدهما أن ما فيه حكمه أو خطه . [ ص: 369 ] كالإقرار وميز فيه ما يتميز به من اسم وحرفة وغيرهما ينفذه الثاني ، وبنى كأن نقل لخطة أخرى [ ص: 370 ] وإن حدا ، إن كان أهلا أو قاضي مصر ، وإلا فلا : كأن شاركه غيره ، [ ص: 371 ] وإن ميتا ، وإن لم يميز : ففي إعدائه أو لا حتى يثبت أحديته : قولان

التالي السابق


( و ) إن ترافع خصمان لقاض ثم انتقلا لقاض آخر قبل الحكم الأول بينهما ( أنهى ) بفتح الهمز وسكون النون وفتح الهاء ، أي أوصل القاضي الأول ( ل ) قاض ( غيره ) ما حصل نده ( بمشافهة ) أي بلا واسطة بينهما ( إن كان كل ) منهما ( بولايته ) أي المحل المولى للقضاء فيه . ابن شاس الركن الثالث يعني في القضاء على الغائب في إنهاء الحاكم إلى القاضي الآخر ، وذلك بالإشهاد والكتاب والمشافهة . أما المشافهة فلو شافه القاضي قاضيا آخر فلا يكفي لأن أحدهما في غير محل ولايته فلا ينفع سماعه أو إسماعه إذا كانا قاضيين لبلدة واحدة وتناديا من طرفي ولايتهما فذلك أقوى من الشهادة فيعتمد .

" غ " كذا لابن الحاجب تابعا لابن شاس التابع لوجيز الغزالي ، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون . وقال ابن عرفة لم أعرف من جزم به من أهل المذهب ، وإنما قال المازري لا شك أن ذكر القاضي ثبوت شهادة عنده على غائب ليس بقضية محضة ولا نقل محض ، بل هو مشوب بالأمرين فينظر أولاهما به ومما يتفرع على هذا أن قاضيين لو قضيا بمدينة على أن كلا منهما ينفذ ما ثبت عنده فأخبر أحدهما الآخر أنه ثبت عنده شهادة فلان وفلان لرجلين بالبلد وقضى بثبوتهما ، فإن قلنا إنه كنقل شهادة فلا يكتفي هذا القاضي المخاطب بأنهم شهدوا عند الآخر لأن المنقول عنهم حضور ، وإن قلنا إنه كقضية القاضي فالقاضي الثاني ينفذ ما قاله الأول ، وهذا قد يقال فيه أيضا إذا جعلنا قول القاضي وحده ، وإن كان كالنقل يكتفى به لحرمة القاضي ، فلذا يصح نقله وإن كان من نقل عنه حاضرا فهذا مما ينظر فيه . وذكر ابن عرفة بعده إلزاما وانفصالا فانظره ا هـ ونصه فإن قلت مقتضى قول المازري وإن قلنا إنه كقضية فالقاضي الثاني ينفذ ما قاله الأول صحة ما نقله ابن شاس عن المذهب . قلت لا دلالة فيه على صحة ذلك لأنه إنما ذكره على [ ص: 364 ] تقدير تولية قاضيين بموضع واحد ، وقد تقرر أن ملزومية الشيء للشيء لا تدل على صحة الملزوم وقد تقدم في شرط وحدة القاضي ما يدل على أن مقتضى المذهب شرط وحدته فتذكره .

( أو ) أنهى لغيره ( بشاهدين ) على حكمه ( مطلقا ) عن تقييده بما لا يتوقف ثبوته على أربعة كالزنا . في نوازل سحنون لا يثبت كتاب قاض لقاض في الزنا إلا بأربعة شهداء على أنه كتابه . ابن رشد على قول ابن القاسم يجوز أن يشهد اثنان وهو قول ابن الماجشون ، يجوز في كتاب القاضي في الزنا شاهدان وهو القياس والنظر . وأما الشاهد واليمين فلا يثبت بهما كتاب قاض اتفاقا ، فسواء كان مما يثبت أصله بأربعة كالزنا ، أو باثنين كالنكاح ، أو بواحد وامرأتين كالرضاع ، أو بواحد ويمين ، أو بامرأتين ، أو بواحد ولفيف ، أو بواحد فقط ، أو بامرأة فقط قاله تت .

طفي قوله أو بواحد ولفيف هكذا في النسخ التي وقفت عليها من صغيره وكبيره ، ولعل الواو بمعنى أو ، إذ ليس محل يشترط فيه الشاهد مع اللفيف . الحط قوله مطلقا يقتضي أنه لا يثبت حكم الحاكم إلا بشاهدين ولو كان المحكوم به مالا وهو مخالف لما يأتي له في الشهادة ، فينبغي أن يقيد بذلك ، وقد نقل أبو الحسن عن ابن رشد أن حكم الحاكم يثبت بالشاهد واليمين في المال على المشهور ا هـ وتبعه عج ، وأطال بما يمجه السمع وينفر عنه الطبع ، وهذه غفلة خرجا بها عن أقوال المالكية لمعارضتهما بين محلين مختلفين ، وجعل أحدهما تقييدا للآخر وبينهما بون كما بين الضب والنون .

ابن رشد لا يثبت كتاب قاض بالشاهد واليمين اتفاقا ، ونقله ابن عرفة وأقره ، ثم قال ابن عرفة لما تكلم على الإنهاء : وثبوت حكم الحاكم بشاهد ويمين يأتي في فصله إن شاء الله تعالى . فدل على تخالفهما وهو ظاهر لأن الشهادة على كتاب القاضي مجرد إشهاد القاضي أنه حكمه أو كتابه فيشهدان على إخباره والشهادة على حكمه التي يجوز فيها الشاهد واليمين يحضر حكمه ويشهده ، فحينئذ تجوز شهادته ، وقد قال ابن رشد قول [ ص: 365 ] القاضي وهو على قضائه حكمت لفلان بكذا لا يصدق فيه إن كان بمعنى الشهادة مثل قول أحد المتخاصمين عند قاض حكم لي قاض بكذا ، أو ثبت لي عنده كذا ، فيسأله البينة على ذلك فيأتيه بكتاب من عنده أني حكمت لفلان على فلان بكذا . أو ثبت له عندي كذا ، فهذا لا يجوز لأنه على هذا الوجه شاهد ، ولو أتى الرجل ابتداء للقاضي فقال له خاطب لي كذا بما ثبت لي عندك على فلان أو بما حكمت لي عليه لجاز لأنه مخبر لا شاهد . ا هـ . فإذا كان قول القاضي على وجه الشهادة لا يجوز ، فكيف تجوز شهادة الناقل والله أعلم .

البناني رأيت لابن يونس ما نصه اختلف في شاهد ويمين على كتاب القاضي في الأموال فلم يجزه في كتاب محمد ، وأجازه في غيره . وقال سحنون يجوز على كتاب القاضي رجل وامرأتان فيما تجوز فيه شهادة النساء . ا هـ . وبه اعترض ابن ناجي الاتفاق الذي حكاه ابن رشد وقبله ابن عرفة . الباجي روى ابن حبيب عن ابن الماجشون لا يثبت كتاب قاض إلى قاض بشاهد ويمين وإن كان في مال . وقال مطرف يحلف مع شاهده ويثبت له القضاء ا هـ .

ولما قال ابن الحاجب وأما الشاهد بالقضاء بالمال فالمشهور لا تمضي إلخ ، قال ابن عبد السلام هذا كلام فيه نظر ، والذي حكاه الباجي وغيره أن القولين في قبول كتاب القاضي بشاهد ويمين لأنه حق ليس بما يئول إلى مال ، ودعوى أحد الخصمين على الآخر أن القاضي حكم عليه بمال هي من دعوى بمال حقيقة ، فلا ينبغي أن يختلف فيها . ا هـ . لكن نازعه ابن عرفة في قوله لا ينبغي أن يختلف فيها بشهرة ذكر الخلاف فيها في كلام الأشياخ وبهذا تعلم أن المسألتين سواء في الخلاف ، ويؤيد هذا أن عزو القولين المتقدم في كلام الباجي في كتاب القاضي هو بعينه المذكور عند " ق " في حكم القاضي عند قول المصنف أو بأنه حكم له به ، وتعلم أن ما في الحط وعج صواب ، وأن اعتراض طفي عليهما قصور وتهويل بما ليس عليه تعويل ، والله أعلم . [ ص: 366 ]

( واعتمد ) القاضي المنهي إليه ( عليهما ) أي الشاهدين إن لم يخالفا بشهادتهما كتابه ، بل ( وإن خالفا ) أي الشاهدان بها ( كتابه ) أي القاضي المنهي وطابقا الدعوى ( وندب ) بضم فكسر ( ختمه ) أي الكتاب . الباجي اختلف قول مالك فيمن دفع إلى شهود كتابا مطويا ، وقال اشهدوا علي بما فيه أو كتب الحاكم كتابا إلى حاكم وختمه وأشهد الشهود به ولم يقرأه عليهم ، فقال الشهادة جائزة ، وقال أيضا لا يشهدوا به إلا أن يقرؤه عند محمل الشهادة . ابن شاس سحنون لو أشهد على كتابه وخاتمه رجلا وامرأتين جاز فيما تجوز فيه شهادة النساء ، ويستحب أن يكتب ذلك في كتاب مختوم والاعتماد على الشهادة ، فلو شهدا بخلاف ما في الكتاب جاز إذا طابق الدعوى ، ثم للشاهد على الحكم أن يشهد عند المكتوب إليه وعند غيره . وإن لم يكتب القاضي في كتابه إلى من يصل إليه من القضاة ( ولم يفد ) بضم فكسر كتابة ( وحده ) أي مجردا من الإشهاد ولو مختوما ابن شاس الكتاب المجرد من الشهادة على القاضي لا أثر له .

" غ " ابن عرفة لما كانت النصوص والروايات واضحة بلغو ثبوت كتاب القاضي بمجرد الشهادة على خطه . قال ابن المناصف اتفق أهل عصرنا في البلاد التي انتهى إلينا أمرها على قبول كتب القضاة في الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خط القاضي دون إشهاده على ذلك ولا خاتم معروف ، ولا يستطيع أحد فيما أظن صرفهم عنه مع أني لم أعلم خلافا في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه ، إن كتاب القاضي لا يجوز بمجرد معرفة خطه ، بل قالوا في القاضي يجد في ديوانه حكما بخطه وهو لا يذكر أنه حكم به لا يجوز له إنفاذه إلا أن يشهد عنده بذلك عدلان ، وكذا إن وجده من ولي بعده وثبت أنه خط الأول فإنه لا يعمل به ، ولا يتخرج القول بعمله بما تيقنه من خطه دون ذكر حكمه به من الخلاف في الشاهد يتيقن خطه بالشهادة بالحق ولا يذكر موطنها لعذر الشاهد ، إذ ما علمه هو مقدور كسبه ، والقاضي كان قادرا على إشهاده على حكمه ثم [ ص: 367 ] وجه عمل الناس بأن الظن الحاصل بأنه كتاب القاضي الباعث به حصوله بالشهادة على خطه منضما للمشهور ، وهو القول بجواز الشهادة على خط الغير حسبما تقرر في المذهب يوجب كون هذا الظن كالظن الناشئ عن ثبوته ببينة على أنه كتابه لضرورة دفع مشقة مجيء البينة مع الكتاب مع انتشار الخطة وبعد المسافة .

ابن عرفة فإن قيل تندفع المشقة بإشهاد القاضي على كتابه ببينة توقع خطها في كتاب القاضي ويشهد على خطها في بلد المكتوب إليه كما يفعله كثير من أهل الزمان . قلت ثبوته بالشهادة على خط القاضي أقوى من ثبوته بالشهادة على الخط مع شهادة البينة على القاضي وما توقف على أمر واحد أقوى مما يتوقف عليه مع غيره ، لتطرق احتمال في ذلك الغير لاحتمال فسق البينة أو رقها في نفس الأمر قال وإذا ثبت وجه العمل بذلك ، فإن ثبت خط القاضي ببينة عادلة عارفة بالخطوط وجب العمل به ، وإن لم تقم بينة بذلك والقاضي المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب إليه فجائز عندي قبوله بمعرفة خطه ، وقبول سحنون كتب أمنائه بلا بينة يدل على ذلك ، وليس ذلك من قضاء القاضي يعلمه الذي لا يجوز له لأن ورود الكتاب من القاضي عليه بذلك كقيام بينة عنده بذلك ، فقبوله الكتاب بما عرف من عدالتهما ويحتمل أن يقال لا بد من الشهادة عنده على خطه .

( تنبيهات )

الأول : هذا كله إن وصل كتاب القاضي قبل موته وعزله وإلا فلا يعمل به قاله ابن المناصف ، وقبله ابن عرفة . قال الشيخ ابن رحال الذي أدركنا عليه أشياخنا أن الإنهاء يصح مطلقا مات الكاتب قبل الوصول أو عزل أو مات المكتوب إليه أو عزل وتولى غيره .

الثاني : قال ابن المناصف شأن قضاة وقتنا رسم الخطاب أسفل وثيقة ذكر الحق ، وقد يكون في ظهر الصحيفة أو أحد عرضيها إن ضاق أسفلها ، وربما كان في وثيقة ملصقة بالوثيقة إن تعذر وضعه بها . [ ص: 368 ]

الثالث : ابن عرفة إن لم يكتب القاضي تحت العقد خطابا يصرح فيه بالإعلام بصحة ذلك الحق عنده ، واقتصر على كتابة : صح الرسم عندي أو ثبت أو استقل ، فذلك لغو غير جائز قبوله بمجرد الخط ، وظاهر كلام ابن المناصف إن ثبت واكتفى وصح واستقل كالألفاظ المترادفة . وذكر " غ " عن أبي عبد الله بن راشد أنه قال استقل يختص بالعدول واكتفى بإثبات الأملاك وثبت بما عداها . وعن العقباني استقل بالمبرزين وثبت لمن يقاربهم واكتفى لمن دون ذلك .

الرابع : " غ " مما تساهل فيه أهل فاس وعملها ولم يعلم له أصل شهادة عدولهم من تسجيل قاضيهم ، فإذا أوقع القاضي خطه كتب الشاهد شهد على إشهاد من ذكر بما فيه عنه ، فهذه شهادة على خطه وكيف الشهادة على خطه ، وقد لا يكون بين مقعده ودكان من شهد عليه إلا قدر غلوة أو أقل .

( و ) إن أشهدهما القاضي على كتابه ( أديا ) بفتحات مثقلا ، أي الشاهدان ما أشهدهما به عند من أرسلا إليه ، بل ( وإن عند غيره ) لعزله أو موته وتولية غيره فيها مع سماع ابن القاسم إن مات القاضي المكتوب إليه كتاب من قاض آخر ، فعلى من ولي بعده إنفاذ الكتاب . ابن رشد اتفاقا إذا ثبت الكتب عنده بشاهدين أنه كتابه قاله ابن القاسم .

( وأفاد ) كتاب القاضي الذي أرسله لقاض آخر فيعمل بما فيه وينفذه ( إن أشهدهما ) أي القاضي المرسل الشاهدين على ( أنه ) أي الكتاب ( حكمه ) أي القاضي ( أو ) أشهدهما أنه ( خطه ) أي القاضي وإن لم يقراه عليهما حال إشهادهما ولم يقرأه . ابن شاس لو قال القاضي أشهدكما على أن ما في الكتاب خطي كفى ذلك على إحدى الروايتين ، وكذلك لو قال لهما ما فيه حكمي .

وشبه في صحة الإشهاد على أن ما في الكتاب منسوب للمشهد من غير علم الشاهدين بما [ ص: 369 ] فيه فقال ( ك ) الإشهاد على ( الإقرار ) من كاتب وثيقة أو ممليها بما فيها . ابن شاس لو قال المقر أشهدك على ما في القبالة وأنا عالم به كفى ، فإذا حفظ الشاهد القبالة وما فيها وشهد على إقراره جاز أيضا على إحدى الروايتين لصحة الإقرار بالمجهول . ابن الحاجب لو قال أشهدكما على أن ما في الكتاب خطي أو حكمي فروايتان ، ومثله إقراره بمثله . ضيح ابن عبد السلام الصحيح عندي منهما إعمال ما في الكتاب لأنهما أديا عنه ما أشهدهما به ولا معارض لهما ، ووجه المازري الرواية الأخرى بأنهم إذا لم يعلموا ما تضمنه الكتاب فالشهادة بمضمونه شهادة بما لم يعلموا وضعفه بأن ما تضمنه على الجملة قد أقر به لمن أمره بالشاهدة والعلم تارة يقع جملة وتارة يقع تفصيلا .

( وميز ) بفتحات مثقلا القاضي ( فيه ) أي الكتاب الذي أراد إرساله لقاض آخر ( ما يتميز به ) المحكوم عليه وبين ما يتميز به فقال ( من اسم ) للمحكوم عليه وأبيه وجده ( وحرفة ) بكسر الحاء المهملة ، أي صنعة ( وغيرهما ) كصفات وبلد ومسكن ولقب وكنية ابن شاس وليذكر في الكتاب اسم المحكوم عليه وأبيه وجده وحليته ومسكنه وصناعته أو تجارته أو شهرة إن كانت له بحيث يتميز بذلك ( فينفذه ) أي ما في كتاب الأول القاضي ( الثاني ) المرسل إليه الكتاب إذا كان الأول استوفى جميع الحجج ، وإن لم يستوف الأول جميع الحجج بأن سمع البينة ( و ) أنهى للثاني ( بنى ) الثاني على ما حصل عند الأول ، وتمم الحكم . ابن الحاجب لو اقتصر الأول على سماع البينة وأشهد بذلك وجب على المنهي إليه الإتمام . ابن عرفة هكذا نقل ابن رشد في سماع ابن القاسم .

وشبه في البناء فقال ( كأن نقل ) بضم فكسر القاضي وهو ينظر في قضية قبل تمامها من خطة ، أي نوع من الحكم كحكم السوق ( لخطة ) بضم المعجمة وشد الطاء المهملة ، أي مرتبة ( أخرى ) من مراتب الحكم كالقضاء فإنه يبني على ما تقدم له ابن سهل سألت [ ص: 370 ] ابن عتاب عن الحاكم يرفع إلى خطة القضاء فهل يستأنف ما كان بين يديه من الأحكام أو يكملها ويصل نظره فيها ؟ فقال بل يبني على ما قد مضى بين يديه من المحكومة وبذلك أفتيت . ابن ذكوان حين ارتفع من أحكام الشرطة والسوق إلى أحكام القضاء ، وينفذ الثاني ما حكم به الأول إن لم يكن حدا ، بل ( وإن ) كان ( حدا ) أو قصاصا أو عفوا . البناني لو قال ولو زنا لكان أبين لقول سحنون لا يثبت كتاب قاضي الزنا إلا بأربعة شهود قاله ابن مرزوق ( إن كان ) الأول ( أهلا ) للقضاء بأن اجتمعت فيه شروطه ( أو ) لم يعرف بها وكان ( قاضي مصر ) بالتنوين ، أي بلد كبير كمكة والمدينة على ساكنها صلوات الله وسلامه ، فإن الشأن لا يولى لقضائها إلا من اجتمعت فيه شروط القضاء ( وإلا ) أي وإن لم يكن أهلا ولا قاضي مصر ( فلا ) ينفذ الثاني حكمه .

ابن شاس إذا ورد كتاب قاض على قاض ، فإن عرفه بأنه أهل للقضاء قبله ، قال في المجموعة وإن عرفه بأنه ليس بأهل لذلك فلا يقبله . قال أصبغ وإن جاءه بكتاب قاض لم يعرفه بعدالة ولا سخطة ، فإن كان من قضاة الأمصار الجامعة مثل المدينة ومكة والعراق والشام ومصر والقيروان والأندلس فلينفذه ، وإن لم يعرفه وليحمل مثل هؤلاء على الصحة ، وأما قضاة الكور الصغار فلا ينفذه حتى يسأل عنه العدول وعن حاله . ابن عرفة شرط قبول خطاب القاضي صحة ولايته ممن تصح توليته بوجه احتراز من مخاطبة قضاة أهل الدجن كقاضي مسلمي بلنسية وطرطوشة وقوصرة عندنا ونحو ذلك ، ولم يجعلوا قبول العدل الولاية من المتغلب جرحة لخوف تعطيل الأحكام .

وشبه في عدم التنفيذ فقال ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري مقرون بكاف التشبيه صلته ( شاركه ) أي المحكوم عليه في اسمه واسم أبيه وجده وبقية صفاته ( غيره ) أي المحكوم عليه فلا ينفذ القاضي الثاني حكم الأول إن كان المشارك حيا ، بل [ ص: 371 ] وإن ) كان ( ميتا ) حتى يشهد البينة على عين المحكوم عليه إن كان في البلد رجل يلائمه في ذلك كله فلا يحكم عليه حتى يأتي ببينة تعرف أنه المحكوم عليه بعينه ولو كان أحد المتلائمين قد مات فلا ينفذ على الحي منهما ما في الكتاب حتى تشهد البينة أنه الذي حكم عليه بعينه إلا أن يطول زمن الميت ويعلم أنه ليس هو المراد بالشهادة لبعده فينفذ في الحي .

( فإن لم يميز ) القاضي في الكتاب المحكوم عليه بما تقدم ( ففي أعدائه ) أي تسليط القاضي المكتوب إليه الطالب على صاحب الاسم المكتوب في الكتاب إلا أن يثبت صاحب الاسم أن بالبلد من شاركه فيه ( أو لا ) يعديه عليه ( حتى يثبت ) بضم التحتية وسكون المثلثة وكسر الموحدة الطالب ( أحديته ) أي كون صاحب الاسم واحدا بالبلد لا مشارك له في اسمه ( قولان ) لم يطلع المصنف على أرجحية أحدهما . المصنف والشهادة في هذا على نفي العلم .

ابن رشد إن وجد بالبلد رجل واحد بتلك الصفة كشف القاضي عنه ، فإن لم يذكر بالبلد غيره بتلك الصفة أعداه عليه وإن ترك القاضي ما أمر به من الكشف عن ذلك فقيل لا يؤخذ بالحق حتى يثبت الطالب أنه ليس بالبلد من هو بتلك الصفة سواه وهو دليل سماع زونان . ابن وهب وقيل يؤخذ به إلا أن يثبت هو أن البلد من هو بتلك الصفة سواء وهو ظاهر قول أشهب ورواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية .




الخدمات العلمية