الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 504 ] لا رجوعهم ، وغرما مالا ودية [ ص: 505 - 506 ] ولو تعمدا

التالي السابق


( لا ) ينقض الحكم إن ثبت ( رجوعهم ) أي الشهود عن الشهادة . ابن عرفة الرجوع عن الشهادة انتقال الشاهد بعد أداء شهادته بأمر إلى عدم الجزم به دون نقيضه ، فيدخل انتقاله إلى شك على القولين بأن الشاك حاكم أو غير حاكم ، الأول للأصبهاني شارح المحصول ، والثاني للقرافي ، وقيد بعد أداء شهادته ، هو ظاهر الروايات ، وظاهر لفظ المازري صدقه على ما قبل الأداء فعليه يحذف لفظ بعد أداء شهادته . ا هـ . وظاهره سواء كان رجوعهم قبل الاستيفاء أو بعده ، فإن كان قبله فإن كان الحكم بمال مضى اتفاقا ، وإن كان بقتل فلابن القاسم لا ينقض كما في المال ، وله أيضا مع غيره لا يستوفى في الدم لحرمته وتجب الدية وإن كان بعد الاستيفاء ، فقال المصنف لا خلاف أن الحكم تام .

( و ) إن رجع الشاهدان بعد الحكم وقبل الاستيفاء ( غرما ) أي الشاهدان ( مالا ) اتفاقا للمشهود لشهادتهما به ، ولو قالا غلطنا ; لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء ، وإن رجعا بعده غرما للمشهود عليه مثل ما غرمه للمشهود له إن كان مثليا وقيمته إن كان مقوما ( و ) غرما ( دية ) للمقتص منه أو المرجوم إن رجعا عن شهادتهما بقتل بعد قتل المشهود عليه قصاصا أو حدا بالرجم إن لم يتعمدا الزور ، وقالا غلطنا خلافا لابن الماجشون [ ص: 505 ] في عدمه قال إذ لو غرما في الخطأ مع كثرة الشهادة لتورع الناس عنها ، بل ( ولو تعمدا ) أي الشاهدان الزور فيغرمان الدية ولا يقتص منهما عند ابن القاسم ، وأشار بولو لقول أشهب يقتص منهما في العمد واستقر به المصنف لقتلهما نفسا بغير شبهة والولي والقاضي معذوران . ابن عرفة الشيخ عن الموازية لو شهدوا بقتل رجل فحكم الإمام بقتله ودفعه للولي فأقر بالزور قبل قتله فقد اضطرب فيه ، فقال ابن القاسم مرة ينفذ الحكم بقتله ; لأنهما الآن لا تقبل شهادتهما ، ثم قال هذا القياس ولكن أقف عن الحكم بقتله لحرمته ، وكذا القطع وشبهه ، والعقل أحب إلي ، واختلف قول أشهب أيضا . أصبغ القياس القتل والقطع والرجم في زنا المحصن وأستحسن أن لا يقتل لحرمة الدم وخطره ولا دية على شاهد ولا مشهود عليه وأراه شبهة كبيرة وقاله محمد المازري . قول ابن القاسم فيه العقل أحب إلي لم يذكر فيه على من يكون العقل هل على الشهود ; لأنهم أبطلوا الدم فيغرموا ديته وإن أراده فهل عليهم دية من شهدوا عليه أو دية القاتل ; لأنها قد تختلف قد يكون القتيل رجلا والقاتل امرأة أو عكسه

والأظهر أنه أراد أن العقل على القاتل حق لا يبطل الدم عنه ولو كان رجوعهما عن زنا محصن ففي تنفيذ حده وسقوطه لا لبدل . ثالثها يحد حد بكر ثم قال ولو كان رجوعهما عن زنا غير محصن ففي إنفاذه وسقوطه بعقوبته فقط قولا ابن القاسم مع اللخمي عن محمد واختياره . وفي القذف منها وإن قالت البينة بعدما وجب الحد ما شهدنا إلا بزور درئ الحد . ابن المواز إذا شهدا بقتل أو غيره ثم رجعا بعد الحكم فرجوعهما ليس بشهادة ، وهو إقرار على أنفسهما بما أتلفاه وشهادتهما الأخرى باطلة والحكم ماض . ابن شاس إن كان رجوع الشهود قبل القضاء فلا قضاء ، وإن كان بعده وقبل الاستيفاء فخلاف ينفذ وإن كان بعده غرما الدية في العمد والخطأ عند ابن القاسم . ابن حارث إن رجعا بعد الحكم وقبل قبض المال وجب للمحكوم عليه قبضه اتفاقا ، وفيها إن رجعا بعد الحكم بدين ضمناه ظاهره ولو قبل تنفيذه ، وهو مقتضى نقل الصقلي على الموازية إن رجعا بعد الحكم [ ص: 506 ] فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي فطلب المقضي له الشاهدين بما كانا يغرمانه لغريمه لو غرم فلا يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه ، ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب ، فإن غرم أغرمهما ، وكما لو شهدا بالحق إلى سنة ثم رجعا فلا غرم عليهما حتى يغرم هو . وقال محمد بن عبد الحكم للمقضي عليه أن يطلب الشاهدين بالمال حتى يدفعاه عنه للمقضي له به . البناني المبالغة راجعة لقوله ودية فقط ، إذا العمد في المال أحرى بالغرم فلا يبالغ عليه ، وما قبلها فيه خلاف أيضا ، لكن بالغرم وعدمه ، وما مشى المصنف عليه فيه من الغرم خلاف قول أكثر أصحاب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، لكنه ظاهر المدونة كما ذكره ابن عرفة وغيره .




الخدمات العلمية