الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 465 - 466 ] إن عرفته : كالمعين ، وأنه كان يعرف مشهده ، [ ص: 467 ] وتحملها عدلا [ ص: 468 ] لا على خط نفسه حتى يذكرها ، وأدى بلا نفع

التالي السابق


ومحل جواز الشهادة على خط المقر أو الشاهد ( إن عرفته ) أي البينة الخط معرفة تامة متيقنة ( ك ) معرفة الشيء ( المعين ) بضم ففتحتين مثقلا ، أي الذي يعرف بعينه من آدمي وغيره فلا تقبل الشهادة على الخط إلا من فطن عارف ممارس للخطوط . ابن عات الخط شخص قائم ومثال مماثل تبصره العين ويميزه العقل كتمييزه سائر الأشخاص والصور ( و ) عرفت ( أنه ) أي الشاهد المشهود على خطه ( كان يعرف ) أي المشهود [ ص: 467 ] على خطه ( مشهده ) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وكسر الهاء ، أي الشخص الذي أشهده قاله ابن زرب . ابن رشد هو الصحيح ولا ينبغي أن يختلف فيه ( و ) عرفت أن الشاهد المشهود على خطه ( تحملها ) بفتحات مثقلا أي كتب شهادته بخطه هذا حال كونه ( عدلا ) مرضي الشهادة .

الحط اشتراط معرفتهم أنه كان يعرف مشهده أحد قولين ومعرفتهم تحمله عدلا تعديل للمشهود على خطه ، وظاهر كلامه أن الشاهدين على الخط لا بد أن يشهدا بذلك ، وذكر المتيطي أنه لا يشترط ذلك ، بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما . قال في كتاب الحبس في فصل ذكر فيه أن قائما قام بالحسبة أن فلانا باع حبسا ما نصه وإن كان الشهود الذين شهدوا على خطوط موتى في كتاب . قلت فأتى إليه بفلان وفلان فشهدا عنده أن شهادة فلان وفلان الواقعة في كتاب الحبس المنتسخ في هذا الكتاب بخطوط أيديهما لا يشكان في ذلك ، وأنهما ميتان فقبل القاضي شهادة الشهيدين عنده ، وشهادة الشهيدين المشهود على خطهما وإن عدلهما غير الشهيدين على خطهما جاز وقلت في إثر قولك إنهما ميتان وإنهما يوسم العدالة ، وقبول الشهادة في تاريخ شهادتهما المذكورة وبعدها إلى أن توفيا وإن عدلهما عنده غير الشهيدين اللذين شهدا على خطوطهما . قلت في الشهيدين وقبل شهادتهما لمعرفته بهما ، وقبل شهادة فلان وفلان المشهود على خطوطهما بتعديل فلان وفلان لهما عنده بالعدل والرضا إلى أن توفيا على ذلك . البناني قوله وإنه كان يعرف مشهده جعله المصنف شرط صحة ، وهو الذي نقله ابن رشد عن ابن زرب . ابن رشد وهو صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه ، ونقل ابن عرفة عن المتيطي أنه شرط كمال فقط ، والأول ظاهر ، وعليه العمل عندنا .

ومحل الخلاف إذا كانت الوثيقة المشهود عليها خالية من التعريف لم يذكر فيها ، وعرفه أو عرف به ، فلو كان فيها ما ذكر فقال بعض الشيوخ لا يحتاج لهذا الشرط اتفاقا ، ويدل عليه ما نقله ابن عرفة عن المتيطي . قوله وتحملها عدلا ليس المراد به حقيقة التحمل ، بل وضعها في الرسم ، فلو قال المصنف [ ص: 468 ] ووضعها في الرسم عدلا كان أصوب ، وما ذكره هو تعديل للمشهود على خطه ، وظاهر كلامه أن الشاهد على الخط لا بد أن يشهد بذلك ، وذكر المتيطي أنه لا يشترط ، بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما انظر " ح " . وإذا كتبت وثيقة بحق وكتب شخص بخطه أنه شهد بما فيها ثم نسي ما فيها ونسي شهادته به وعرف خطه الذي كتبه بشهادته بما فيها ف ( لا ) يشهد بما فيها معتمدا ( على خطه نفسه ) الذي عرفه وتيقن أنه خطه ( حتى يذكر ) أي يتذكر ما فيها وأنه شهد به ( و ) إن لم يتذكر ذلك ( أداها ) أي الشهادة أي يشهد عند القاضي بأن هذا خطه ، وأنه ناس ما في الوثيقة وناس شهادته به ( بلا نفع ) للطالب في هذه التأدية ، وظاهره وإن لم يكن في الكتاب محو ولا ريبة ، وظاهره وإن ذكر بعض ما فيها .

وللإمام مالك " رضي الله عنه " إن لم يكن في الكتاب محو ولا ريبة فليشهد بما في الوثيقة معتمدا على خطه ، ولا يخير الحاكم بنسيانه ، وقال مطرف لا يشهد حتى يذكر بعضه البناني لا على خط نفسه حتى يذكرها . ذكر في ضيح عن البيان في هذه خمسة أقوال ، وما ذكره هنا هو مذهب المدونة . ابن رشد وكان الإمام مالك يقول إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئا منها وليس في الكتاب محو ولا ريبة فليشهد ، وبه أخذ عامة أصحابه مطرف وعبد الملك والمغيرة وابن أبي حازم وابن دينار وابن وهب وابن حبيب وسحنون . مطرف وعليه جماعة الناس . مطرف وابن الماجشون وليقم بالشهادة تامة بأن يقول ما فيه حتى وإن لم يحفظ ما في الكتاب عددا ولا مقعدا ، ولا يعلم القاضي أنه لم يعرف إلا عين خطه ، فإن أعلمه لزم الحاكم ردها . وفي التوضيح صوب جماعة أن يشهد إن لم يكن محو ولا ريبة بأنه لا بد للناس من ذلك لكثرة نسيان الشاهد المنتصب للشهادة ولأنه إن لم يشهد حتى يذكرها لما كان لوضع خطه فائدة ، وذكر ابن ناظم التحفة وابن فرحون أنه الذي جرى به العمل ، ونظمه في التحفة وجرى به العمل عندنا أيضا يقاس قاله بعض من ألف في عملها عند سيدي العربي الفاسي .

[ ص: 469 ] تنبيهات ) الأول : طفى قوله وأداها بلا نفع نحوه في المدونة . أبو الحسن ابن محرز وجه ما في الكتاب أن يقول هو لا ينتفع بها عندي ، ولكن يرفع إلى القاضي يجتهد فيه . ابن رشد هذا يدل على القول بتصويب جميع المجتهدين . وقال ابن المواز لا يرفعها ، وهو قياس على قول من قال إن المجتهد قد يخطئ الحق عند الله تعالى وإن لم يقصر في اجتهاده وامتثل أمر الله تعالى فيه .

الثاني : تت ظاهر كلام المصنف سواء كان ذكر الحق والشهادة بخطه أو لم يكن بخطه إلا الشهادة ، وهو كذلك على أحد قولين حكاهما ابن حارث . الثالث : تت ظاهره أيضا كانت الشهادة في كاغد أو رق بباطن الكاغد أو ظاهره وهو كذلك على خلاف فيه . الرابع : تت ظاهره عرف عدة الماء أو لا وهو كذلك رواه ابن وهب في العتبية . وقال ابن نافع إن لم يعرف عدد المال عرف الإمام بذلك ولا أراه ينفعه . الخامس : جواز الشهادة على الخط لم يختلف فيه كلام الإمام مالك " رضي الله عنه " في الأمهات المشهورة . ابن فرحون هو مشهور المذهب . اللخمي هو الصحيح للضرورة ، وقال ابن سهل عن ابن الماجشون الشهادة على الخط باطلة ، وما قتل عثمان بن عفان " رضي الله عنه " إلا على الخط . وقال الباجي مشهور قول الإمام مالك " رضي الله عنه " أنها لا تجوز على خط الشاهد ، رواه محمد واختاره . وروى ابن القاسم وابن وهب في العتبية والموازية إجازتها وقاله سحنون وقال أصبغ هي قوية في الحكم ، وزاد المتيطي عنه لا يعجل الحكم لغيبته ، وليتثبت . اللخمي الشهادة على خط الشاهد لغيبته أو موته صحيحة على الصحيح من القولين ; لأنها ضرورة ، وعلى معروف المذهب من العمل بالشهادة على خط المقر . قال المازري نزلت مسألة منذ نيف وخمسين سنة وشيوخ الفتوى متوافرون ، وهي أن رجلين غريبين ادعى أحدهما على صاحبه بمال جليل فأنكره ، فأخرج المدعي كتابا فيه إقرار المدعى عليه فأنكر كونه خطه ، ولم يوجد من يشهد عليه فطلب المدعي كتبه ، فأفتى [ ص: 470 ] شيخنا أبو الحسن اللخمي أنه يجبر على ذلك وعلى أن يطول فيما يكتب تطويلا لا يمكن فيه أن يستعمل خطا غير خطه

وأفتى شيخنا عبد الحميد بأنه لا يجبر على ذلك ، ثم اجتمعت بعد ذلك بالشيخ أبي الحسن ، وأخذ معي في إنكار ما أفتى به صاحب الشيخ عبد الحميد ، فقلت به احتج بأنه كالتزام المدعى عليه بينة يقيمها على نفسه لخصمه ، فأنكر هذا وقال إن البينة لو أتى بها المدعي لقال المدعى عليه شهدت علي بالزور فلا يلزمه أن يسعى فيما يعتقد بطلانه ، بخلاف الذي يكتب خطه . ابن عرفة الأظهر ما قاله عبد الحميد أفاده ابن غازي . ابن فرحون اختار غير واحد ما قاله اللخمي حلولو هو الحق إن كان يحكم بصحة ذلك بعد الكتابة كما يقتضيه كلامهم . السادس : ابن عرفة لا تقبل الشهادة على الخط إلا من الفطن العارف بالخطوط وممارستها ولا يشترط فيه أن يكون أدرك ذا الخط . وحضرت يوما بعض من قدمه القاضي بن قداح للشهادة بتونس ، وهو أبو العباس بن قليد ، وقد ناول القاضي ابن عبد السلام وثيقة ليرفع على خط شاهد فيها مات فقال له القاضي ابن عبد السلام إنك لم تدرك هذا الشاهد الذي أردت أن تشهد على خطه ، ورد عليه الوثيقة ومنعه من الرفع على الخط فيها وأنا جالس عنده ، فلما انصرف ابن قليد قال لي إنما لم أقبل شهادته على الخط فيها ; لأنه ليس من أهل المعرفة بالخطوط ، وليس عدم إدراك الرافع على الخط كاتبه بمانع من الشهادة على خطه إذا كان الشاهد عارفا بالخطوط ، فإنا نعرف كثيرا من خطوط من لم ندركه كخط الشلوفين وابن عصفور وابن السيد ونحوهم لتكرر خطوطهم علينا مع تلقينا من غير واحد من الشيوخ أنها خطوطهم .




الخدمات العلمية