الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 550 ] وإن قدر على شيئه : فله أخذه ، إن يكن غير عقوبة ، وأمن فتنة ورذيلة

[ ص: 550 ]

التالي السابق


[ ص: 550 ] وإن ) كان لشخص حق عند آخر ولم يقدر على أخذه بطريق الشرع الظاهر لعدم البينة عليه مع إنكاره و ( قدر على ) أخذ عين ( شيئه ) خفية ( فله أخذه ) سواء علم غريمه بأخذه أو لم يعلم ( إن يكن ) شيؤه ( غير عقوبة ) فإن كان عقوبة كحد قذف وقصاص من نفس أو طرف أو تأديب شاتم ونحوه ، فليس له أخذه إلا بالرفع للحاكم سدا لتعدي بعض الناس على بعض وادعائهم أخذ حقهم ، ولا يلزمه الرفع إلى الحاكم ، وكذا غير عين شيئه ولو من غير جنسه على ظاهر المذهب قاله ابن عرفة ، ويدل له قول المصنف إن يكن غير عقوبة ; لأنها لا يمكن أخذ عينها فلو أراد المصنف بشيئه عينه خاصة لم يحتج لقوله إن يكن غير عقوبة لعدم شمول عين شيئه لها ، فيحمل شيؤه على حقه الشامل لعين شيئه وعوضه ، فيحتاج إلى إخراج العقوبة ، وشمل كلامه الوديعة وهو المعتمد ، وما قدمه في بابها من قوله وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ضعيف قاله عب ومثله للخرشي . ( و ) إن ( أمن ) صاحب الحق ( فتنة ) تحصل بأخذ حقه كقتال وإراقة دم ( و ) أمن ( رذيلة ) كنسبته لسرقة أو خيانة بأخذ حقه . طفى لا شك أن المصنف اختصر قول ابن الحاجب تبعا لابن شاس ومن قدر على استرجاع عين حقه آمنا من فتنة أو نسبة إلى رذيلة جاز له

وأما في العقوبة فلا بد من الحاكم وكلامهما كما ترى في استرجاع عين حقه ، وبه شرح في التوضيح ، فقال إن قدر على أخذ شيئه بعينه . وعبارة ابن شاس ومن غصب منه شيء وقدر على استرداده مع الأمن من تحريك فتنة أو سوء عاقبة بأن يعد سارقا أو نحو ذلك جاز له أخذه . ا هـ . وهكذا عبارة ابن رشد والمازري ، ولم يذكروا في هذا خلافا ، وإنما ذكروه في غير عين شيئه . ثالثها إن كان جنسه جاز ، فإن حمل كلام المصنف على عين شيئه كما قلنا فيكون غير شيئه عنده بالمنع كما يأخذه من باب الوديعة . وأما حمل تت كلام المصنف على غير عين شيئه وتعميمه في الجنس وغيره [ ص: 551 ] ومعارضته لذلك بما تقدم في الوديعة ، وجوابه عن ذلك بإخراج الوديعة ففيه نظر من وجوه : الأول نبو عبارة المصنف عن حمله . الثاني : خلو كلام المصنف عن بيان حكم استرداد عين شيئه المذكور في كلام ابن شاس وابن الحاجب وهما متبوعاه ، ولا يقال يؤخذ بالأولى لخفائه ولتعرض الأئمة له . الثالث : لزوم المعارضة في كلام المصنف

وأما جوابه فيه نظر ، إذ لم أر من استثناها من المنع ، إذ من أجاز أجازها ، ومن منع منعها ، وقد جمع ابن عرفة طرق المسألة ولم يستثن الوديعة منها في طريق من الطرق ، وذكر ابن رشد في طريقه في الوديعة خمسة أقوال المنع والكراهة والإباحة والاستحباب . خامسها إن كان عليه دين فلا يأخذ إلا قدر الحصاص وأظهر الأقوال الإباحة مطلقا عليه دين أم لا ، وأيضا كلام المصنف المتقدم في باب الوديعة . وإن كان فرضه كابن الحاجب في الوديعة فليس الحكم خاصا بها وقد تورك عليه هناك ابن عبد السلام بقولها ومن لك عليه مال من وديعة أو قراض أو بيع فجحده ، ثم صار له بيدك مثله بإيداع وبيع أو غيره . قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا ينبغي له أن يجحده ا هـ .

البناني ما قرر به " ز " هو الظاهر ، وما قاله طفى ، وصوبه من حمل ما هنا على عين شيئه ، إذ هو المتفق عليه . وأما غير عينه ففيه أقوال مشى المصنف منها فيما تقدم في الوديعة على المنع فغير ظاهر ; لأن أظهر الأقوال عند ابن عرفة الإباحة ، والله أعلم .




الخدمات العلمية