5311 5312 5313 ص: وخالفهم في ذلك آخرون؛ منهم أبو حنيفة، فقالوا: لا تكون الأرض للذي يحييها إلا بأمر الإمام له في ذلك وجعلها له، وقالوا: ليس ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما ذكرنا في هذا الباب يدافع ما قلنا؛ لأن ذلك الإحياء الذي جعل به رسول الله -عليه السلام- الأرض التي أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو، فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإمام، فيكون قوله: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" أي: من أحياها على شرائط الإحياء فهي له، ومن شرائطه تحظيرها وإذن الإمام له فيها وتمليكه إياها، فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى هذا الحديث، ويجوز أن يكون على ما تأوله أبو يوسف ومحمد إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله -عليه السلام- بالقول أنه أراد معنى إلا بالتوقيف منه أو بإجماع ممن بعده أنه أراد ذلك المعنى.
فنظرنا إذ لم نجد في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين في غيره من الأحاديث، هل فيها ما يدل على شيء من ذلك؟ فإذا يونس قد حدثنا، قال: أنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة ، قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله".
حدثنا يزيد وابن أبي داود ، قالا: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة: " ، أن رسول الله -عليه السلام- حرم النقيع، وقال: لا حمى إلا لله ورسوله".
[ ص: 442 ] حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا علي بن عياش ، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " لا حمى إلا لله ولرسوله". .
فلما قال رسول الله -عليه السلام-: "لا حمى إلا لله ولرسوله" - والحمى: ما حمي من الأرض - دل ذلك أن حكم الأرضين إلى الأئمة لا إلى غيرهم، وأن حكم ذلك غير حكم الصيد، وقد بينا ما يحتمل الخبر الأول، فكان أولى الأشياء بنا أن نحمل وجهه على ما لا يخالف هذا الأثر الثاني.


