وأما قول القائل : إنه لم يتحقق موته على الحل في ساعة فيكون شكا في السبب ، فليس كذلك ، بل السبب قد تحقق إذ الجرح سبب الموت فطريان الغير ، شك فيه ويدل على صحة هذا الإجماع على أن من جرح وغاب فوجد ميتا فيجب القصاص على جارحه بل إن لم يغب يحتمل أن يكون موته بهيجان خلط في باطنه كما يموت الإنسان فجأة فينبغي أن لا يجب القصاص إلا بحز الرقبة والجرح المذفف لأن العلل القاتلة في الباطن لا تؤمن ولأجلها يموت الصحيح فجأة ولا قائل بذلك مع أن القصاص مبناه على الشبهة وكذلك جنين المذكاة حلال ولعله مات قبل ذبح الأصل لا بسبب ذبحه أو لم ينفخ فيه الروح ، وغرة الجنين تجب ولعل الروح لم ينفخ فيه أو كان قد مات قبل الجناية بسبب آخر ، ولكن يبنى على الأسباب الظاهرة ، فإن الاحتمال الآخر إذا لم يستند إلى دلالة تدل عليه التحق بالوهم والوسواس كما ذكرناه فكذلك هذا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه فللشافعي رحمه الله في هذه الصورة قولان والذي نختاره الحكم بالتحريم ; لأن السبب قد تعارض إذ الكلب المعلم كالآلة ، والوكيل يمسك على صاحبه فيحل ولو استرسل المعلم بنفسه فأخذ لم يحل لأنه يتصور منه أن يصطاد لنفسه ومهما انبعث بإشارته ثم أكل دل ابتداء انبعاثه على أنه نازل منزلة آلته ، وأنه يسعى في وكالته ونيابته ، ودل أكله آخرا على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه ، فقد تعارض السبب الدال ، فيتعارض الاحتمال والأصل التحريم ، فيستصحب ولا يزال بالشك وهو كما لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية ، فاشترى له جارية ومات قبل أن يبين أنه اشتراها لنفسه أو لموكله يحل للموكل وطؤها ; لأن للوكيل قدرة على الشراء لنفسه ولموكله جميعا ، ولا دليل مرجح والأصل التحريم فهذا يلتحق بالقسم الأول لا بالقسم الثالث .


