الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما ذكر مساويه وعيوبه ومساوي أهله فهو من الغيبة وذلك حرام في حق كل مسلم ويزجرك عنه أمران .

أحدهما أن تطالع أحوال نفسك فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما فهون على نفسك ما تراه من أخيك .

وقدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة كما أنك عاجز عما أنت مبتلى به ولا تستثقله بخصلة واحدة مذمومة فأي الرجال المهذب وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله فلا تنتظره من أخيك في حق نفسك فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك .

والأمر الثاني : أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة ولن تجد من تصاحبه أصلا فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساو ، فإذا غلبت المحاسن المساوي فهو الغاية والمنتهى فالمؤمن الكريم أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير والود والاحترام وأما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوي والعيوب .

قال ابن المبارك المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات .

وقال الفضيل الفتوة العفو عن زلات الإخوان ولذلك قال عليه السلام : استعيذوا بالله من جار السوء الذي إن رأى خيرا ستره وإن رأى شرا أظهره .

.

التالي السابق


(أما ذكر مساويه وعيوبه ومساوي أهله فهو من الغيبة) لأنه ذكر له فيما يكرهه (وذلك حرام في حق كل مسلم ويزجرك عنه أمران أحدهما أن تطالع أحوال نفسك) خاصة (فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما فهون على نفسك ما تراه من أخيك) المؤمن (وقدر) في نفسك (أنه عاجز قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة كما أنك عاجز فيما أنت مبتلى به) واقع فيه [ ص: 212 ] (فلا تستثقله بخصلة واحدة مذمومة) قال الحسن البصري: (فأي الرجال المهذب) هيهات (وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله) تعالى (فليس بحقك عليك بأكثر من حق الله عليك، والأمر الثاني: أنك لو طلبت أخا منزها من كل عيب) وزلل (اعتزلت عن الخلق كافة) وجانبتهم (ولم تجد) في الدنيا (من تصاحبه أصلا) وأعياك طلبه، ومنه قول الحريري، واعلم بأنك إذ طلبت مهذبا رمت الشطط (فما من الناس أحد إلا وله محاسن ومساوئ، فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو الغاية) القصوى (والمنتهى) في الرغبات، ولفظ القوت: فمن ظهرت محاسنه فغلبت مساوئه فهو المؤمن المقتصد (فالمؤمن الكريم أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث في قلبه التوقير) أي: التعظيم (والود والإكرام) وفي نسخة: والاحترام (وأما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوئ والعيوب) ولفظ القوت: فالأخ الشفيق الرقيق الكريم يذكر أحسن ما يعلم في أخيه والمنافق اللئيم يذكر أسوأ ما يعلم فيه .

(قال ابن المبارك) -رحمه الله تعالى- (المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات) كذا في القوت (وقال الفضيل بن عياض) -رحمه الله تعالى-: (الفتوة الصفح عن الزلات) كذا في القوت (ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: استعيذوا بالله من جار السوء الذي إذا رأى خيرا ستره وإذا رأى شرا أظهره) .

قال العراقي: رواه البخاري في التاريخ من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وللنسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بسند صحيح: "تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام". انتهى .

وقلت: وروى الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ: "استعيذوا بالله من شر جار المقام فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل" ورواه أيضا بلفظ: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول.

وروى الطبراني في الكبير من حديث عقبة بن عامر: "اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة" .

وأخرج ابن النجار من حديث سعيد المقبري مرسلا: "اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه ترياني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها".وأما حديث النسائي الذي أشار إليه العراقي فقد أخرجه أيضا البيهقي في الشعب، وزاد هو والنسائي أيضا بعد قوله "دار المقام": فإن الجار البادي يتحول عنك .

وروى البيهقي أيضا في معناه بسنده إلى الحسن قال: قال لقمان لابنه: يا بني حملت الجندل وكل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء، وذقت المرار فلم أذق شيئا أمر من الصبر.

وروى البيهقي أيضا من حديث أبي هريرة: "تعوذوا بالله من ثلاث: نوافر جار سوء إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه. الحديث. وسنده ضعيف .




الخدمات العلمية