الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذن كيف يستدل باعتزال الكفار والأصنام على اعتزال المسلمين مع كثرة البركة فيهم .

واحتجوا أيضا بقول موسى عليه السلام وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون وأنه فزع إلى العزلة عند اليأس منهم وقال تعالى في أصحاب الكهف وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته أمرهم بالعزلة .

وقد اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم قريشا لما آذوه وجفوه ودخل الشعب وأمر أصحابه باعتزالهم والهجرة إلى أرض الحبشة ثم تلاحقوا به إلى المدينة بعد أن أعلى الله كلمته وهذا أيضا اعتزال عن الكفار بعد اليأس منهم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتزل المسلمين ولا من توقع إسلامه من الكفار وأهل الكهف لم يعتزل بعضهم بعضا وهم مؤمنون وإنما اعتزلوا الكفار وإنما النظر في العزلة من المسلمين .

التالي السابق


(فإذا كيف يستدل باعتزال الكفار والأصنام على اعتزال المسلمين مع كثرة البركة فيهم واحتجوا أيضا بقوله تعالى) حكاية (عن موسى -عليه السلام- وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون وأنه فزع إلى العزلة عند اليأس منهم وقد قال تعالى في) حكاية (أصحاب الكهف) وهم سبعة قص الله عنهم في كتابه العزيز فقال ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته حيث أمرهم بالعزلة) عن المشركين واختلف في أسمائهم على أقوال ذكرها صاحب القاموس، وأن الملك الذي هربوا منه يقال له دقيانوس.

(وقد اعتزل نبينا -صلى الله عليه وسلم- قريشا) وهم بنو فهر (لما آذوه وجفوه) وإليه أشار البوصيري في همزيته:


ويح قوم جفوا نبيا بأرض ألفته ضبابها والظباء



(ودخل الشعب) في أعلى مكة المعروف بشعب أبي طالب (وأمر أصحابه) ممن آمن به وصدقه (باعتزالهم) [ ص: 339 ] عن مجالستهم ممن لم يقدر على الهجرة، ومن قدر منهم أمره (بالهجرة إلى أرض الحبشة) ؛ إذ بلغهم أن ملكها ممن يحبه فهاجروا (ثم تلاحقوا به إلى المدينة) المشرفة (بعد أن أعلى الله كلمته) وأعز دينه، قال العراقي: رواه موسى بن عقبة في المغازي ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب مرسلا، ورواه ابن سعد في الطبقات من رواية ابن شهاب عن ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم مرسلا أيضا، ووصله من رواية أبي سلمة عن ابن عباس إلا أن ابن مسعود ذكر أن المشركين حصروا بني هاشم في الشعب، وذكر موسى بن عقبة أن أبي طالب جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شعبهم. ومغازي موسى بن عقبة أصح المغازي، وذكر موسى بن عقبة أيضا أنه أمر أصحابه حين دخل الشعب بالهجرة إلى أرض الحبشة.

ولأبي داود من حديث أبي موسى أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ننطلق إلى أرض النجاشي.

قال البيهقي: وإسناده صحيح، ولأحمد من حديث ابن مسعود: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشي. روى ابن إسحاق بإسناد جيد ومن طريقه البيهقي في الدلائل من حديث أم سلمة: إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحدا عنده فالحقوا ببلاده. الحديث .

(وهذا اعتزال عن الكفار عند اليأس منهم) أي: من إيمانهم (فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يعتزل المسلمين ولا من توقع إسلامه من الكفار) بل كان يخالطهم (وأهل الكهف لم يعتزل بعضهم بعضا وهم يؤمنون إنما اعتزلوا الكفار) خيفة الضرر على أنفسهم (وإنما النظر في العزلة من المسلمين) ولم تثبت .




الخدمات العلمية