الرتبة الوسطى أن لا يكون العوض غصبا ولا حراما ولكن يتهيأ لمعصية كما لو سلم عوضا عن الثمن عنبا والآخذ شارب الخمر أو سيفا وهو قاطع طريق فهذا لا يوجب تحريما في مبيع اشتراه في الذمة ، ولكن يقتضي فيه كراهية دون الكراهية التي في الغصب وتتفاوت درجات هذه الرتبة أيضا بتفاوت غلبة المعصية على قابض الثمن وندوره ومهما كان العوض حراما ، فبذله حرام وإن احتمل تحريمه ولكن أبيح بظن فبذله مكروه ، وعليه ينزل عندي النهي عن كسب الحجام وكراهته .
إذ نهى عنه عليه السلام مرات ، ثم أمر بأن يعلف الناضح .
وما سبق إلى الوهم من أن سببه مباشرة النجاسة والقذر فاسد إذ يجب طرده في الدباغ والكناس ولا قائل به وإن قيل به فلا يمكن طرده في القصاب إذ كيف يكون كسبه مكروها وهو بدل عن اللحم ، واللحم في نفسه غير مكروه ومخامرة القصاب النجاسة أكثر منه للحجام والفصاد ، فإن الحجام يأخذ الدم بالمحجمة ويمسحه بالقطنة ولكن السبب أن في الحجامة والفصد تخريب بنية الحيوان وإخراجها لدمه وبه قوام حياته والأصل فيه التحريم ، وإنما يحل بضرورة وتعلم الحاجة والضرورة بحدس واجتهاد وربما يظن نافعا ويكون ضارا فيكون حراما عند الله تعالى ، ولكن يحكم بحله بالظن والحدس .
ولذلك لا يجوز للفصاد فصد صبي وعبد ومعتوه إلا بإذن وليه وقول طبيب ولولا أنه حلال في الظاهر لما أعطى عليه السلام أجرة الحجام .
ولولا أنه يحتمل التحريم لما نهى عنه فلا يمكن الجمع بين إعطائه ونهيه إلا باستنباط هذا المعنى .
وهذا كان ينبغي أن نذكره في القرائن المقرونة بالسبب ، فإنه أقرب إليه .
الرتبة السفلى ، وهي درجة الموسوسين ، وذلك أن يحلف إنسان على أن لا يلبس من غزل أمه فباع غزلها واشترى به ثوبا ، فهذا لا كراهية فيه ، والورع عنه وسوسة .
وروي عن المغيرة أنه قال في هذه الواقعة : لا يجوز ، واستشهد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الخمور فباعوها وأكلوا أثمانها .
وهذا غلط لأن بيع الخمور باطل إذ لم يبق للخمر منفعة في الشرع ، وثمن البيع الباطل حرام ، وليس هذا من ذلك .


