إذ العادة ما جرت بالتصدق بالضيافة ولذلك ، دعته أم سليم ودعاه الخياط .
كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وقدم إليه طعاما فيه قرع ودعاه الرجل الفارسي فقال عليه الصلاة والسلام أنا وعائشة فقال : لا فقال فلا ، ثم أجابه بعد فذهب هو وعائشة يتساوقان فقرب إليهما إهالة .
ولم ينقل السؤال في شيء من ذلك وسأل أبو بكر رضي الله عنه عبده عن كسبه لما رابه من أمره وسأل عمر رضي الله عنه الذي سقاه من لبن إبل الصدقة إذ رابه وكان ، أعجبه طعمه ، ولم يكن على ما كان يألفه كل مرة .
وهذه أسباب الريبة وكل ، من وجد ضيافة عند رجل مجهول لم يكن عاصيا بإجابته من غير تفتيش بل لو رأى في داره تجملا ومالا كثيرا ، فليس له أن يقول : الحلال عزيز وهذا كثير ، فمن أين يجتمع هذا من الحلال بلى هذا ، الشخص بعينه يحتمل أن يكون ورث مالا أو اكتسبه فهو بعينه يستحق إحسان الظن به وأزيد على هذا وأقول : ليس له أن يسأله ، بل إن كان يتورع فلا يدخل جوفه إلا ما يدري من أين هو فهو حسن فليتلطف في الترك ، وإن كان لا بدله من أكله فليأكل بغير سؤال إذ السؤال إيذاء وهتك ستر وإيحاش وهو حرام بلا شك .
فإن قلت : لعله لا يتأذى فأقول : لعله يتأذى فأنت تسأل حذرا من لعل ، فإن قنعت ، فلعل ماله حلال وليس الإثم المحذور في إيذاء مسلم بأقل من الإثم في أكل الشبهة والحرام والغالب ، على الناس الاستيحاش بالتفتيش ولا يجوز له أن يسأل من غيره من حيث يدري هو به ; لأن الإيذاء في ذلك أكثر ، وإن سأل من حيث لا يدري هو ، ففيه إساءة ظن وهتك ستر ، وفيه تجسس وفيه تشبث بالغيبة وإن لم يكن ذلك صريحا .
وكل ذلك منهي عنه في آية واحدة ، قال الله تعالى : اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا وكم زاهد جاهل يوحش القلوب في التفتيش ويتكلم الكلام الخشن المؤذي وإنما يحسن الشيطان ذلك عنده طلبا للشهرة بأكل الحلال ، ولو كان باعثه محض الدين لكان خوفه على قلب مسلم أن يتأذى أشد من خوفه على بطنه أن يدخله ما لا يدري ، وهو غير مؤاخذ بما لا يدري إذ لم يكن ثم علامة توجب الاجتناب فليعلم أنطريق الورع الترك دون التجسس ، وإذا لم يكن بد من الأكل ، فالورع الأكل ، وإحسان الظن .
هذا ، هو المألوف من الصحابة رضي الله عنهم ومن زاد عليهم في الورع فهو ضال مبتدع وليس بمتبع فلن يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه ، ولو أنفق ما في الأرض جميعا كيف وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام بريرة فقيل إنه : صدقة ، فقال هو : لها صدقة ولنا هدية .
، ولم يسأل على المتصدق عليها فكان مجهولا عنده ولم يمتنع .


