الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة .

حيث جعلنا السؤال من الورع فليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه وإنما أوجبنا السؤال إذا تحقق أن أكثر ماله حرام وعند ذلك لا يبالي بغضب مثله إذ يجب إيذاء الظالم بأكثر من ذلك والغالب أن مثل هذا لا يغضب من السؤال نعم إن كان يأخذ من يد وكيله أو غلامه أو تلميذه أو بعض أهله ممن هو تحت رعايته فله أن يسأل مهما استراب لأنهم لا يغضبون من سؤاله ولأن عليه أن يسأل ليعلمهم طريق الحلال ولذلك سأل أبو بكر رضي الله عنه غلامه وسأل عمر من سقاه من إبل الصدقة ، وسأل أبا هريرة رضي الله عنه أيضا لما أن قدم عليه بمال كثير فقال : ويحك أكل هذا طيب ، من حيث إنه تعجب من كثرته ، وكان هو من رعيته لا سيما وقد رفق في صيغة السؤال وكذلك قال علي رضي الله عنه : ليس شيء أحب إلى الله تعالى من عدل إمام ورفقه ولا شيء أبغض إليه من جوره وخرقه .

التالي السابق


(مسألة) أخرى (حيث جعلنا السؤال من الورع فليس له أن يسأل صاحب الطعام و) صاحب (المال إذ لم يأمن غضبه) وتهوره، (ولا يؤمن قط غضبه) عادة مستمرة، (وإنما أوجبنا السؤال إذا تحقق أن أكثر ماله الحرام) إما علما منه بحاله أو بإخبار ثقة، (وعند ذلك لا يبالي بغضب مثله) ، فإنه ظالم بفعله; (إذ يجب إيذاء الظالم بأكثر من ذلك) ليرتدع عما هو فيه، (والغالب أن مثل هذا لا يغضب من السؤال) ، ولا يتأذى به، (نعم إذا كان يأخذ من يد وكيله أو غلامه) الذي يخدمه، (أو تلميذه) الذي يلازمه (أو بعض أهله) ممن يباشر في أموره، (ولو أحيانا ممن هو تحت رعايته) وكنفه، (فله أن يسأل مهما استراب) أي: وجد الريبة; (لأنهم لا يغضبون من سؤاله) ، ويسامحون في مثل ذلك، (ولأن عليه أن يسأل ليعلمهم طريق الحلال) ويجنبهم من الحرام، (ولذلك سأل أبو بكر ) رضي الله عنه (غلامه) الذي كان يتولى خراجه، (وسأل عمر ) رضي الله عنه (من سقاه من إبل الصدقة، وسأل عمر ) أيضا ( أبا هريرة ) رضي الله عنهما (لما أن قدم عليه بمال كثير) من بعض عمالته، (فقال:) له (ويحك) كلمة ترحم، (أكل هذا طيب، من حيث إنه تعجب من كثرته، وكان هو) أي: أبو هريرة (من رعيته) ; لأنه هو الذي ولاه الجهة التي قدم منها بالمال، (ولا سيما وقد رفق في صيغة السؤال) بقوله ويحك، وفي السير الكبير للإمام محمد بن الحسن تخريج شمس الأئمة السرخسي ما نصه: استعمل عمر أبا هريرة على البحرين فجاء بمال فقال عمر : سرقت مال الله، قال: لم أسرق ولكن خيلي تناتجت وسهامي اجتمعت، فلم يلتفت عمر إلى قوله وأخذه فجعله في بيت المال اهـ .

(وكذلك قال علي :) رضي الله عنه (ليس شيء أحب إلى الله من عدل إمام ورفقه) أي: برعيته (ولا شيء أبغض إليه من جوره) بهم، (وخرقه) ، والخرق والرفق متضادان قال صاحب المنفرجة:


فالرفق يدوم لصاحبه والخرق يؤول إلى الهرج






الخدمات العلمية